كلمة اليوم

مبادرات المملكة وحمل لواء التسامح

ظلت المملكة وستظل هي أحد عناوين التسامح، وحماية السلم العالمي عبر ثقافة حوار الأديان، وثقافة تلاقي الحضارات، وبالتالي نبذ الغلو والتطرف والإرهاب، وقد تمت ترجمة هذه العناوين عبر عدد من المواقف التي اتخذتها المملكة على مر تاريخها، وعلى هيئة مبادرات شهد بها الجميع، وقد كان اللقاء التاريخي الذي جمع الملك عبدالله -يرحمه الله- برئيس الكنيسة الكاثوليكية البابا بنديكتوس السادس عشر في الفاتيكان في السادس من نوفمبر 2007 م واحدا من أبرز تلك المحطات، إلى جانب زيارة سبقت ذلك لسمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز -يرحمه الله- عندما كان نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، وهي الزيارات التي استهدفت بناء ثقافة جديدة تعتمد على الحوار مع الآخر، وتعزيز العلاقات الإنسانية بين كافة الثقافات من أجل صناعة مجتمع أكثر أمنا. ولعل الزيارة التاريخية التي قام بها غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي مؤخرا، ولقاءه خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وكبار المسؤولين السعوديين، تأتي انسجاما مع هذا التوجه، وربما تأخذ أهميتها بشكل أكبر على اعتبار أن المكون المسيحي العربي جزء من الهوية العربية التي قد تعزز تلاقي الشرق مع الغرب، وتوحيد الجهود بالتالي من أجل ردم الهوة بين الطرفين، والتي أوجدتها بعض قوى التطرف من الجانبين، وبعض اللاعبين الذين يستثمرون في مثل هذه الحقول الموحلة لأغراض سياسية للأسف، دون أن يعوا أنهم يقودون العالم بما فيه بلدانهم إلى حالة من الصراع المستديم، لولا حكمة هؤلاء الرجال الذين يصرون على إزاحة الحواجز، والالتقاء ما بين القيادات في العالمين الإسلامي والمسيحي من أجل الإنسان والإنسانية. وعلى هذا الأساس فإن زيارة غبطة البطريرك لا تقف عند حد التفاهمات بين البلدين، وإن كانت قد أتاحتْ له فرصة تفهم الأسباب التي دفعت بالرئيس الحريري إلى الاستقالة، وعززت من سبل التعاون لتنقية الأجواء من شوائب تدخلات البعض، إلا أنها في ملمح آخر تؤكد مجددا على عناوين التسامح والتعاون التي تبلي فيها المملكة بلاء حسنا بشهادة الجميع، على اعتبار أنها أحد أبرز قوى السلام التي تناضل من أجل صناعة الغد الأفضل للجميع، ومن أجل درء مخاطر التطرف، وفتح قنوات التعاون بين كافة الحضارات لعمارة الأرض، ورفع الظلم والغبن، وهي رسالة الإسلام الخالدة التي تتشرف هذه البلاد بحمل لوائها.