فهد السلمان

1979 العام الأطول بجيوبه المكتنزة

استعرض الكاتب الأمريكي كريستيان كارل في كتابه «المتمردون الغرباء: 1979 وولادة القرن الحادي والعشرين»، ما يمكن أن يسم هذا العام الثقيل بأحداثه وأحماله الضخمة التي هزّت العالم بأنه عام التأسيس للقرن الجديد، حيث غيّرتْ تلك الأحداث التي اكتظ بها هذا العام وجه العالم ومجرى التاريخ، وأعادتْ توجيه البوصلة لكل ما بعده إلى اتجاهات ما كان أحد يستطيع أن يتنبأ بحدوثها، ولا أن يلتقط أيًّا من إرهاصاتها. هذا العام الذي شهد وصول مارغريت تاتشر السيدة الحديدية أو سارقة الحليب كما كان يسميها الإنجليز إلى سدة السلطة في بريطانيا العظمى، وهي التي بشرتْ برأسمالية الأسواق المفتوحة، كما شهد انطلاق الغزو الروسي لأفغانستان، وبداية تفكك الاتحاد السوفييتي، ومن ثم بزوغ حقبة جديدة في التاريخ الإسلامي مع الجهاد، وما أفرزته من ظاهرة الأفغان العرب وبدء فعالية الإسلام السياسي، مما حوّل أفغانستان بالنتيجة إلى وكر للإرهاب، أيضا ولادة الصين الجديدة بمشروع زعيمها الإصلاحي الكبير شياو بينغ الذي قادها لتحقيق ذاتها وبداية صعود كعملاق اقتصادي ضخم بفتح أبواب سورها الحصين أمام الاستثمارات الأجنبية، كذلك القضاء على نظام الشاه في إيران بقيام ثورة الخميني، وإعلان البابا يوحنا بولس بابا الفاتيكان تحدي الشيوعية وإنعاش الكنيسة الكاثوليكية، وبدء ما يمكن تسميته الكاثوليكية السياسية التي تسللتْ للجسم السياسي في أوروبا، ولاحقًا أمريكا.أحداث كثيرة امتلأتْ بها جيوب هذا العام الطويل القامة، والكبير القيمة لم يتناولها الكتاب، لكنها مثّلتْ في مجملها إلى جانب ما أشار إليه الوزن الضخم والحقيقي لهذا العام المختلف.. منها وصول صدام حسين للسلطة على حساب أحمد حسن البكر في العراق، وقيام الحرب العراقية الإيرانية، واقتحام عصابة جهيمان للحرم المكي الشريف، وتوقيع اتفاقيات كامب دايفيد، وعزل مصر عن الأمة العربية، ونقل جامعة الدول العربية إلى تونس، وخروج أمانتها من أيدي المصريين لأول مرة على يد التونسي الشاذلي القليبي، والقائمة أكبر من قدرة هذه المساحة على الاستيعاب، غير أن ما أريد أن أصل إليه أن هذا العام الذي أذن بولادة الكاثوليكية السياسية والإسلام السياسي ووفّر لهما كل فرص المواجهة، هو من أنتج بيض التطرف والإرهاب على مستوى العالم، وهو بالتالي من اختطف مجتمعاتنا باسم الدين تحت طائلة هذا العنوان.