د. سمية السليمان

تقليم أم تقزيم؟

اختلفنا حول الشجرة.. فهل نقول تقزيم الأشجار أم تقليم الأشجار؟ لكل مصطلح مناصروه وتدور النقاشات حول ماذا نسمي ما تقوم به الأمانات والبلديات عندما تقص غالب الجزء الأخضر من الشجرة وتترك لنا أشكالا غريبة من الأغصان التي تكاد تحمل ورقة خضراء ولا تعطي الظل. إذن هل هو تقليم أم تقزيم؟ رسميا يسمى الفعل العدواني على الشجر بالتقليم بينما يصر معارضوه على كلمة التقزيم. ولكن المصطلحين ليسا دقيقين. فالتقليم هو إزالة أجزاء من الأغصان الزائدة والأوراق الذابلة لتقوية الشجرة وتنسيقها دون المساس بالغطاء الورقي البديع. أما التقزيم فهو مصطلح يستخدم خطأ في المملكة حيث يقصد به نتف الأشجار وقصها لتقزم ولكن التقزيم فعليا يعتبر فنا وله مسمى آخر وهو البونساي تشذب فيه الشجرة لتحافظ على شكل مصغر. إن لم يكن تقليما ولا تقزيما فما الذي يحدث في شوارعنا؟ في اعتقادي أنه اعتداء ضد الطبيعة وجريمة بحق الشجرة والإنسان الذي يحرم من الاستفادة من فوائدها. ما فائدة الأعداد الكبيرة للشجر التي تذكر في الصحف بين فينة وأخرى إن كنا لا نتركها تصل إلى النضج؟في النقاش والسؤال عن أسباب الاعتداء على الشجر يأتي الجواب غالبا متضمنا الإشارة إلى نوع من الشجر تمت زراعته بشكل واسع وهو الكونوكاربوس والذي اكتسب سمعة سيئة حتى أصبحت بعض الجهات تمنع زراعته. ولكن من كثرة انتشاره تظن أن هذه الشجرة هي الوحيدة على وجه الأرض. هذه الشجرة رغم جمالها وسرعة نموها واخضرارها المستمر لها مضار تحت الأرض حيث تدمر جذورها البنية التحتية والأرصفة. وإن كانت شجرة الكونوكاربوس لها أضرار فإن البدائل موجودة، وبالرغم من ذلك تصرف الأموال الطائلة سنة تلو الأخرى في تق(ل/ز)يمها ولا تستبدل بأنواع أفضل. إن لم تستبدل فإننا ما زلنا بحاجة ماسة لزيادة الأشجار في المدن وآمل ألا يقع الاختيار على نوع واحد «معتمد». فليس من الصحي والطبيعي أن يطغى نوع واحد على الأشجار من الأساس بل التنويع مهم لأسباب بيئية وجمالية. علينا أن نعمل بشكل إيجابي لتحسين بيئة المعيشة ومن ضمن ذلك توفير الغطاء النباتي والأشجار تحديدا. فالشجرة تعطي الظلال وتلطف الجو بخفض الحرارة وتلتقط الغبار فتصفي الهواء وتعيد التوازن البيئي. منظرها جميل ولونها الأخضر مريح للعين ومهدئ للأعصاب ومقلل للإجهاد وتزيد السعادة. كلها فوائد نعرفها ولكن بدأ العلماء في العقد الأخير بمحاولة قياس التأثير الإيجابي لزراعة الأشجار على الصحة العامة والتأثير الاقتصادي لتحسن الصحة من خلال حساب ما تم توفيره من أموال. فحسب دراسة نشرت عام ٢٠١٤ فإنه في سنة ٢٠١٠ يقدر أن الأشجار في الولايات المتحدة الأمريكية أنقذت حياة ٨٥٠ نسمة ومنعت حدوث ٦٧٠ ألف حالة تنفسية شديدة وأضافت قيمة صحية تصل إلى ١٣ مليار دولار حيث كانت أكبر فائدة لها داخل المدن.في دراسة أجريت في تورنتو بكندا وجدوا أن من يعيش في أماكن تزيد بها الأشجار بمقدار ١٠ شجرات أكثر من المعدل يحسون بأنهم أصغر سنا بسبع سنوات. هناك أيضا دراسات تقيس أثر زيادة الأشجار بنسبة ١٠٪ فقط وارتباط ذلك بانخفاض جرائم السرقة والسطو وإطلاق النار بنسبة ١٢٪ في مدينة ومقاطعة بالتيمور. تكثر الدراسات عن فوائد الأشجار والتطبيقات التي تحدد الأماكن المثلى لزراعتها لجني أكبر فائدة. مقابل كل ذلك مازلنا نناقش الفروقات اللغوية بين التقليم والتقزيم وسط حساسية مفرطة من الانتقاد. نريد حلا!