علي الشهري

قل لي ماذا تسمع أقل لك من أنت

«جورج» الأمريكي وصديقه «ساجد» الهندي، تربطهما علاقة قوية وطويلة تأسست منذ الصغر، لكن بسبب أسلوب الحياة تفرقا، وشق كل منهما طريقًا لمستقبله. في أحد الأيام قرر «ساجد» زيارة صديقه المخلص حيث مرت فترة طويلة منذ آخر لقاء جمعهما، أرادا أن يعيدا شريط ذكرياتهما من جديد. وفعلًا هبطت طائرته في مطار نيويورك، واستقبله «جورج» بابتسامة الشوق، وأخذه في نزهة في وسط مدينة نيويورك، ومن المعروف أن نيويورك أعلى مدينة في الكثافة السكانية في الولايات المتحدة.فجأة وأثناء سيرهما قال «ساجد» لقد سمعت صوت (الكريكت) وهو صرصار الليل! رد «جورج» مستغربًا من المستحيل يا صديقي أن تسمع أصواتها وسط هذا الضجيج الجنوني؟ أصر «ساجد» على رأيه «لا بأس أنا مجنون لكني متأكد من أني سمعت ذلك فأنا أحب عزفها».وقف الهندي وسط الزحام في لحظات هدوء غريبة، ثم قطع الشارع إلى منطقة يوجد بها عدد قليل من الأشجار، وتفحص أحد الأغصان فوجد فعلًا عددا قليلا من الصراصير الليلية.ذهل الأمريكي «إنه أمر لا يصدق! كيف سمعتها؟ كيف؟ بالتأكيد لديك حاسة سمع خارقة مثل سوبر مان، فأنت لست مثلنا».ساجد «لا ليس لدي ما تقوله فأنا لا أختلف عن البشر، فسمعي مثلك ومثل أي إنسان على هذا الكوكب، ولكن الأمر يعتمد على ما تريد أن تسمع».قال جورج «مستحيل فأنا لم أسمع أصوات الكريكت أبدًا». حسنًا أيها الامريكي سأقول لك السر، الأمر يعتمد على ما هو مهم لديك، دعني أرك ما أقصد على أرض الواقع.وضع ساجد يده بداخل جيبه وأخرج بعض القطع النقدية، ثم قام برميها على الرصيف، مع كل هذا الضجيج الذي يصم الآذان وسط المدينة من عدد البشر وكثرة أصوات أبواق السيارات إلا أن جميع من كان يقف بمسافة ٥ أمتار سمعوا صوت النقود والتفتوا برؤوسهم له ليروا أين سقطت هذه القطع النقدية.هل رأيت ما أعني؟ (يقول ساجد) كل هذا يعتمد على ما هو مهم بالنسبة لنا، فالأشخاص الذين يحبون الجرائم سوف يسمعون صوت السكاكين ورمي الرصاص مهما كان الضجيج عاليًا.من يهوى الفضائح لن يستمع أبدًا الى الكلام المفيد، بل العكس تمامًا سوف يستمع الى كلمات محددة مقتصرة على «فضيحة، لباس مثير».لا تستمع إلا للمهم والمفيد في حياتك، فهناك الكثير في عالمنا من يهوى سماع أخبار وقصص الناس وخاصًة الأقارب، يلهث وراء اخبارهم كالمسعور أين ذهبوا وماذا يفعلون وما خططهم المستقبلية! والفائدة طبعًا ستكون صفرا. مع الوقت سيصبح هذا الإنسان أصم وهو بكامل عافيته، لا يستطيع سماع أو إضافة أي شيء قيم له ولشخصيته ولحياته، سيقتصر سمعه حول فلان اشترى سيارة أو فلانة تزوجت أو فلان تخاصم مع اخيه. ما تحاول سماعه اليوم هو ما سيسمعه طفلك غدًا في المُستقبل.