د. مبارك الخالدي

ماذا لو توقفت..

ماذا لو توقفت الحروب المشتعلة في المنطقة العربية، وأُخمِدَتْ أسبابُ حروب لم تشعل فتائلها بعد؟ ماذا لو جلس المتنازعون والمتخاصمون إلى طاولات المفاوضات في عواصم اقليمية أو عالمية للبحث عن حلول حاسمة للنزاعات والخصومات بينهم؟ ماذا لو...وماذا لو....؟لو وَضَعت الحروب الدائرة أوزاها، وأزيلت أسباب أخرى جديدة، لكان في مقدمة نتائجها الحتمية انخفاض دخل الدول المصنعة للأسلحة وعدد العاملين في مصانعها، وانتفاخ سماسرة السلاح كمدًا وغيظًا الى حد الانفجار. لو توقفت الحروب، وتلاشت من الأفق نذر حروب جديدة، وانطفأت نيران النزاعات والخصومات، لنصبت القنوات الفضائية ومحطات الاذاعة سرادقات النحيب والعويل وتلقي العزاء لفقد الحجم الخرافي من المواد الإعلامية من أخبار وتقارير ميدانية وتحليلات سياسية واقتصادية. ولوجدتْ نفسها مضطرة الى تقليل ساعات بثها وتسريح أعداد كبيرة من العاملين فيها، وسيفقد ما يسمون محللين سياسيين فرص إمتياز الإقامة الدائمة في استديوهات الفضائيات، وسترتاح زوجاتهم من (الانلطاع) أمام الشاشات رضوخا لأوامر أزواجهن المحللين العباقرة. لو توقفت الحروب ولم يعد للخصومات وجود، لـتساقطت الصفحات من الصحف تساقط أوراق الأشجار في الخريف؛ لأنه لم يعد ثمة حاجة لها بعد انتفاء الحاجة للأخبار والتحليلات والتقارير المفبركة، ولوجد عدد غير قليل من كُتاب الرأي أنفسهم في خطب جلل؛ لخسارتهم ينابيع هادرة من مواضيع الكتابة.لو توقفت الحروب، وخمدت براكين الخصومات والنزاعات إلى الأبد، لتقلص الإنفاق على سفرات وتنقلات المسئولين من عاصمة أجنبية الى أخرى للمشاركة في القمم التي تعقد هناك لمناقشة الحروب والنزاعات المتقدة في المنطقة العربية، ولن يُسْمَع، بالتالي، عبر الإذاعات والقنوات سوى أخبار الزيارات المتبادلة لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك.لو توقفت الحروب، واختفت مفردات كنزاع وأزمة، فستختفي الحاجة الى الجيوش والتجنيد. لكن ألا يعني كل هذا ارتفاع معدل البطالة وحدوث انفجار سكاني في المنطقة وما يترتب عليهما من مشاكل معقدة لا تحصى؟ سؤال همس به في أذني مسئول ومحلل سياسي وخبير اقتصادي وتاجر حرب ومن سمى نفسه كاتب رأي وآخرون لم أتبين هوياتهم!