د. عبدالوهاب القحطاني

الزيارة الملكية إلى روسيا

تشهد العلاقات السعودية الروسية تقدما ايجابيا ملحوظا في العامين الأخيرين على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وذلك منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في 25 يناير 2015، حيث زار روسيا ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان عندما كان ولي ولي العهد بهدف التمهيد لعهد جديد من التعاون المشترك في مختلف المجالات مع روسيا. والجدير بالذكر أنه لم يمر أكثر من شهر وعشرة أيام على تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- حتى بادر الاتحاد السوفيتي الذي نعرفه اليوم بروسيا بالاعتراف بالمملكة دولة سيادية موحدة. وكانت روسيا أول دولة في العالم تعترف بالدولة الموحدة، وذلك في التاسع عشر من فبراير من عام 1926، علما بأن هناك ثلاث سنوات تفصل بين تأسيس الاتحاد السوفيتي وتأسيس المملكة العربية السعودية، حيث تأسس الاتحاد السوفيتي في نهاية عام 1922 وبالتحديد في يوم 30 ديسمبر، بينما كان قيام المملكة العربية السعودية في الثامن من يناير من عام 1926. ولقد سجل التاريخ أن أول حمولة نفط نقلت إلى المملكة العربية السعودية وصلت من الاتحاد السوفيتي، حيث كانت محملة بالكيروسين. ولقد مرت العلاقات السعودية الروسية بتقلبات ومنعطفات وتحولات لأسباب عقدية وسياسية أدت إلى القطيعة لفترة طويلة. وكان للبلاشفة دور كبير في تدهور العلاقات السعودية الروسية تلاها التوسع الشيوعي والإلحاد المتمثل في محاربة الأديان السماوية وتقييد الحرية الدينية. وقد كان لغزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان دور قوي في تدهور العلاقات بين الدولتين السعودية والروسية (سابقا السوفيتية). وتؤكد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حرص المملكة على توطيد العلاقات مع روسيا الصديق القديم في العهد الجديد. كما تؤكد الزيارة على أهمية الدور الروسي في التعاون مع المملكة التي تعد أكبر منتج ومصدر للبترول في منظمة الدول المنتجة والمصدرة للبترول (أوبك)، وذلك لعمل ما يلزم لاستقرار سوق الطاقة كونها من اكبر الدول المنتجة للبترول خارج منظمة الاوبك. إن تطوير العلاقات الثنائية بين المملكة وروسيا ضرورة استراتيجية للبلدين على حد سواء فكلاهما يساهم في نمو واستقرار سوق الطاقة العالمي. ويعتمد كل منهما بنسبة كبيرة على ايرادات النفط في ميزانيتهما العامة. ولا يتوقف التعاون بين الدولتين على المجال النفطي فحسب، بل يمتد الى التعاون في المجالات الاقتصادية والتقنية والعسكرية والتكنولوجية والاستثمارية والاسكان.ومن أبرز الاتفاقيات شراء المملكة لمنظومة S-400 الدفاعية الروسية المتطورة؛ لتعزيز قدراتها العسكرية، حيث تتميز بقدرتها على رصد وتدمير الأهداف من على بعد 400 كم. وتشمل تلك الأهداف الطائرات والصواريخ البالستية وصواريخ كروز، حيث يصل مدى المنظومة إلى 3.500 كم بينما سرعة الصاروخ 3 أميال في الثانية، ناهيك عن تمكنها من كشف طائرات الشبح. وتعد منظومة إس-400 أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورا حتى اليوم، وتستخدمها روسيا والصين في منظومتيهما الدفاعيتين.ومن الأهمية أن تنوع المملكة شراكات التعاون الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي مع العديد من الدول المتقدمة والنامية؛ لما لذلك من فائدة استراتيجية كبيرة في التفاوض الناجح لمصلحة كل طرف. وبالطبع تحدد وترسم المصالح المشتركة بين الدول علاقاتها ببعضها فكلما ضعفت المصالح المشتركة ضعفت تبعاً لها العلاقة. الخلاصة تخطو حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- خطوات حثيثة ومدروسة لبناء دولة عصرية قوية. وتدرك القيادة السعودية أهمية تنويع وتوازن التعاون بين المملكة والعديد من الدول المتقدمة والنامية، لذلك رأت أهمية وضرورة التعاون مع الصديق الروسي القديم في العهد الجديد.