سالم اليامي

قمة الإرادات والمصالح المشتركة

من يتعاطى الكتابة في الشأن الدولي، لابد أن يقف يوما عند روسيا الاتحادية، هذا العنصر الرئيس في صناعة السياسة الدولية. ولا أذكر في الحقيقة عدد المرات التي اقتربت فيها بشكلٍ، أو بآخر من هذا البلد وعلاقاته الدولية، ومواقفه، وتأثيره في مجرى كثير من الأحداث في عالمنا المعاصر. ولكن الموضوعات المحددة والتي لا تزال عالقة بالذهن وكانت روسيا طرفا رئيسا فيها (اثنان)، الاول مقال بتاريخ الثاني من يناير ٢٠١٣م بعنوان«شيء من العلاقة مع الروس» الموضوع خيم عليه تضارب المواقف الدولية بشأن الأزمة في سوريا، وكان استعراضا لتاريخ العلاقات العربية الروسية، مع الاشارة الى أدوات التأثير الدولي في مساراتها الثقافية، والإعلامية.أما الثاني فكان بتاريخ السادس والعشرين من شهر يونيو ٢٠١٥م وعنوانه «منعطف جديد لمسيرة العلاقات السعودية الروسية» وكان مضمونه جوهر العلاقات السعودية الروسية وانعكاساتها على المسار الثنائي بين الجانبين، وعلى المسارات الموازية الاقتصادية، والأمنية، والسياسية في الاقليم، والعالم. وكانت محطة مهمة حينها ومفصلية، عَمقها الحضور الشخصي لولي العهد حفظه الله ولقاءاته المثمرة في مدينة سانت بترس بيرق.أغلب الآراء كانت تشير الى ان تلك الزيارة مهدت الطريق لمستقبل مختلف للعلاقات السعودية الروسية الجديدة. وزيارة خادم الحرمين الشريفين التاريخية بحق إلى روسيا الاتحادية تلمست جوانبها وأهميتها من الأضواء التي سلطتها وسائل الإعلام الروسية بشكل خاص على الزيارة وعلى شخصية القيادة، وتاريخ المملكة العربية السعودية. أبرز ما يمكن تسجيله في هذه الزيارة أنها زيارة إرادات سياسية في المقام الاول حيث تعكس بجلاء تطابق الارادة السياسية للجانبين على التقدم إلى الأمام بالعلاقات السعودية الروسية إلى دائرة جديدة تختلف عن طبيعة العلاقات في المرحلة الماضية رغم أهميتها وتراكمها.ويتضح أن هذه الارادة تشكلت نتيجة تفهم، ووعي القيادة في البلدين بحجم الأخطار التي تحيط بالعالم، وبأهمية الدور الملقى على عاتق الجانبين بما يشكله كل منهما في محيطه من أهمية سياسية وجغرافية، وبشرية، واستراتيجية، وانسانية. المعطى الأبرز في أغلب تقديرات المراقبين هو ما سيتمخض عن هذا اللقاء التاريخي في مسار علاقات الجانبين السعودي والروسي الذي أصبح مشحونا بعدد غير مسبوق من مسارات التعاون، والتقارب في ميادين الاقتصاد، والاستثمار، والصناعات، العسكرية، والطاقة، والثقافة.ثم ما سيعتبر الانعكاس الأبرز والذي سيتوجه بتأثيره الايجابي على الملفات المُلحة، والملتهبة في المنطقة العربية على نحوٍ خاص في العراق، واليمن وسوريا، وليبيا. وفي السعي لتحجيم الدور الايراني في المنطقة والحد من نفوذ تابعيه هنا، وهناك. الإرهاب ايضا سيجد مجالا لتعاون الطرفين لمصلحتهما، ولمصلحة العالم بأسره.وهنا يمكن الإشارة بحبور الى انه من الامور التي تسعد الكاتب ان تأتي توقعاته قريبة من ارض الواقع، وتطور الأحداث. وأعني هنا وبوضوح شديد ان الزيارة التي أشرت اليها لسمو ولي العهد كانت عملية بذر أسس العلاقات في محتوياتها الاقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية. واليوم الجانبان الروسي والسعودي يضعان أسس مستقبل العلاقة بينهما في ظل زيارة ملكية تاريخية.