سالم اليامي

الدوحة في زمن الأسئلة

ما زلت أتذكر «شريفة القطرية» خالتي أم حمدني، هكذا كنا نناديها، كانت تأتي من قطر في بداية الشتاء، وتمكث في الأحساء ما قدر لها، ثم تأتي إلى الثُقْبَة، وقد تحملت بالبضائع، والهدايا، مختلفة الأشكال والألوان.وبعد أن تبدأ زيارة نساء الحي لها للسلام عليها في منزل قريبها جارنا أبو مسعود، تبدأ اللحظات التي ينتظرها الصغار في الخارج أولادا وبنات، من أم حمدني، كانت تجمع الصغار في حلقة أمامها في فناء البيت، وخلفها أكياس، وحقائب وأشياء تخصها.تجلس متربعة وقد ارتدت ثوبا بألوان زاهية، وفيه زري ونقوش وأشكال ملونة، وتغطي رأسها بشيلة سوداء شفافة تثبت نهايتها في أعلى منطقة خدها الأيمن بقطعة ذهبية على هيئة دمعة، يزينها فص أحمر دائري شديد الاحمرار. وتغطي وجهها ببرقع صغير يلمع في الشمس لونه ذهبي مموج بلون كحلي. أسفل ذقنها يمكن رؤيتها من خلف «البطولة» وتظهر شفتها السفلي المصبوغة باللون الأحمر إذا ضحكت أو سألت أحدنا، من وِلده؟ أو من بنته؟.لا يطول بنا الانتظار في حضرة الخالة شريفة، حيث بمجرد أن يصطف أمامها عدد من الصغار تبادر بفتح صندوق حديدي على يمينها نصف فتحة إلى أعلى، وتحرك يدها بين الأكياس والأشياء التي جمعتها في الصندوق وتخرج كيسا بلاستيكيا شفافا مزينا بنقط خضراء غامقة. تسحب الكيس من الصندوق وتضعه بهدوء في حضنها، وهي تقفل الصندوق بيدها الأخرى، ثم تستخدم كلتا يديها في فتح الكيس البلاستكي وتبدأ في توزيع حلاوة أبو قهوة. هكذا كنا نسميها وهي حبات بيضاوية في حجم حبة الفستق بنية اللون تأتي مغلفة بورقة خضراء شفافة وعلى الورقة نقاط ونقوش ذهبية. أزعم أني وغيري من الأطفال في عمري لن ننسى تلك المرأة القطرية وحبها للصغار وهداياها التي لا تنتهي. هذه الذكريات والأسئلة البريئة عن قطر وإنسانها الطيب تعود بنا إلى مطلع سبعينيات القرن الماضي حين كانت إمارة قطر الصغيرة على ضفاف الخليج وادعة آمنة تؤمن بأنه ليس لها، ولا لإنسانها، إلا التعامل الطبيعي مع الجغرافيا، والديموغرافيا، والتجارة، والحياة. اليوم الدوحة تختلف كثيرا عن دوحة الامس، دوحة اليوم تغالط كل حقائق الجغرافيا والاستراتيجية والسياسة والتاريخ، وتريد اقناع نفسها والآخرين، بأن الجار الإقليمي ايران الذي يبني وجوده على زوال عرب الخليج بدولهم، ومجتمعاتهم، ومستقبلهم، من الخريطة انه جار طبيعي وانه بلغ به شرف الجوار أن كان العون والسند لقطر فيما تسميه بمحنتها التي تتسبب فيها.بمنطق القصة والتورية والأمثال يمكننا القول بثبات كبير لكل الخليج يوم خدعت الدوحة في شرف طهران. حالة عدم الرؤية التي تسيطر على دوحة اليوم تحجب عنها حقائق طبيعة السعي الايراني للتوسع والضم والسيطرة على كامل المنطقة العربية.كل الاسئلة التي تواجهها الدوحة اليوم كبرى ومصيرية ولكنها جميعها بدون إجابات! نحن، والدوحة نواجه زمنا، صعباً؛ يجب التعامل معه لضمان سلامة الجميع.