د. محمد حامد الغامدي

إدارة الحشود المتنقلة علم سعودي عالمي

تتميز الأماكن المقدسة في العالم بتجمع الحشود البشرية في مكان واحد. وهذا يسهل إدارتها. الأماكن المقدسة في المملكة استثناء، حيث تتنقل الحشود بين أماكن مختلفة، في أوقات محددة، ولفترات محدودة، وهذا يزيد من صعوبة إدارتها، لتسهيل مهمتها ولتحقيق أهدافها الدينية.■■ المملكة حققت تأسيس علم إدارة الحشود المتنقلة، وهذا علم سعودي على مستوى العالم. إدارة ليس لها شبيه عالميا. فالحشود تأتي من جميع أنحاء العالم، بلغات مختلفة، وتقاليد اجتماعية متباينة، وأيضا بأعمار متفاوتة. الإسلام يجمعهم، وإلى مكة حجهم لمن استطاع إليه سبيلا. ونحمد الله على خدمتهم. متطلبات سلامتهم وتسهيل مهمتهم فخر المملكة شعبا وحكومة. ■■ في المرحلة الأولى، تتجمع الحشود في مكة والمدينة المنورة، وهذا يتطلب إدارة رشيدة لهذه الجموع، كإنجاز أول. لكن تحقيق وتهيئة الحجيج لما بعد هذه المرحلة إعجاز إداري سعودي ثان. حيث تتجمع هذه الحشود في منى، هذا يعني تنقل هذه الحشود بين أمكنة مختلفة. هذا يتطلب إدارة بصيرة وحازمة ورشيدة لتحقيق نجاح هذه المرحلة الثانية، وهذا إنجاز سعودي لتهيئة وإدارة هذه الحشود ليوم عرفة.■■ ثم في المرحلة الثالثة، وفي وقت معلوم ومحدد تبدأ حشود الحجيج في التحرك من منى عبر مزدلفة إلى عرفة، وهي خطوة تتطلب إدارة الحشود المتنقلة بكفاءة عالية. الحشود بالآلاف تنتقل بواسطة وسائل مختلفة ومنها المشي على الأقدام. هذا التصعيد الى عرفة حالة استثنائية عالميا، تحقيقه بسلام إنجاز إداري سعودي ثالث.■■ في المرحلة الرابعة، تصل الحشود في وقت معلوم إلى عرفة، لتصبح مدينة مكتظة لساعات نهار يوم واحد، هو يوم عرفة الحالة الاستثنائية عالميا. هذه الحشود في هذا المكان المؤقت تحتاج لإدارة رشيدة توفر السلامة لكل حاج، تتحول أرض عرفة في يوم واحد الى (مدينة خيام) بأكثر من مليوني حاج. إدارة هذه المدينة المؤقتة إعجاز إداري سعودي رابع في إدارة الحشود المتنقلة.■■ المرحلة الخامسة، وبنهاية يوم عرفة، تتحرك الحشود المسلمة في رحلة عكسية إلى منى عبر مزدلفة، حيث تتوقف في مزدلفة لوقت معلوم، ولهدف معلوم، ثم تواصل رحلتها. هذه الرحلة من عرفة عبر مزدلفة الى منى تسمى النفرة. تحتاج لإدارة يقظة فاعلة وحازمة ومنضبطة. وهذا إنجاز إداري سعودي خامس.■■ في المرحلة السادسة، تصل الحشود إلى منى في وقت محدد. حيث تتنقل الحشود بين ثلاث أماكن بداخلها، في أوقات مختلفة، ولأيام محددة. هذه التنقلات تحتاج لإدارة مكثفة ورشيدة وفاعلة وبصيرة. فبجانب إدارة هذه التنقلات داخل منى، هناك إدارة الحشود في منى كمدينة خيام سكنية مؤقتة مكتظة بالحجيج. هذا يعني أن هناك إدارة داخل إدارة. الأولى إدارة مدينة من الخيام، والثانية إدارة التحركات والتنقلات داخلها بين الجمرات الثلاث، وهذا إعجاز إداري سادس تحققه المملكة.■■ ثم في المرحلة السابعة، وبعد قضاء الأيام المعدودة في منى تتحرك الحشود إلى مكة، ومنها إلى المدينة أو الخروج من المناطق المقدسة في رحلة العودة بعد الانتهاء من الحج. وهذا إنجاز إداري سعودي سابع.■■ ليس هذا فقط، ولكن هناك أكثر من (300) ألف موظف مدني وعسكري يديرون هذه الحشود المتنقلة، التناغم بينهم والتنسيق معجزة إدارية أخرى ثامنة تحققها المملكة. إذا كان الحج أياما معدودة فإنه للمملكة من الحج إلى الحج، وهنا يظهر مدى الإعجاز الإداري السعودي ومسئوليته.■■ وبعد، إلى الذين يزايدون. إلى الذين لا يستوعبون مدى أهمية إدارة هذه الحشود المتنقلة، أقول هذه الحشود ليست جماهير ملعب في إحدى عواصم الدول البائسة. هاتوا مثالا واحدا عبر العالم لمثل إدارة حشود الحج المتنقلة. البعض من بؤسه وغوغائيته لا يرى نفسه إلا في الوحل.