لمى الغلاييني

هل تعجبك سعادة الجارة؟

تحدث فولتير في أحد أعماله عن عالم هندي حاد الذكاء قلق الشعور، لا يعرف كيف يجد أجوبة مقنعة للعديد من التساؤلات الوجودية التي لا يتوقف عقله عن طرحها، بينما كانت تعيش بجانبه سيدة عجوز محدودة التفكير، لم تشغل بالها يوما بأي من تساؤلاته التي ترهق ذهنه، ومع ذلك فهي تبدو أسعد نساء الأرض، لكنه حسم المقارنة بينهما بمقولته، «لقد قلت لنفسي مئة مرة إنني سأصبح سعيدا لو كنت ببلاهة جارتي، ومع ذلك فإنني لا أرغب بتلك السعادة».تكمن إشكالية «الغبي السعيد» في كونه يغوص في السعادة السرابية طالما ظلت الظروف لا تعانده، وعند ما تتوقف الحياة عن الاستجابة لحاجاته المباشرة ستتبخر فقاعات سعادته، وهنا تبرز فلسفة فولتير في مقولته: «إذا كنا نقدر السعادة عاليا، فإننا نقدر العقل أكثر»، فمن يتمنى أن يعيش متقمصا لحياة مجنون حتى لو امتلك الأخير شعورا بأنه الأسعد بين الرجال؟.يعجبني تعريف السعادة بأنها الوعي بحالة رضا عامة ومستدامة، في ظل وجود ذي معنى مؤسس على قيم الخير العليا، مع امتلاك الحكمة المستنيرة لمحاولة الحفاظ على المشاعر الطيبة لأطول ما يمكن فيما وراء مصادفات الحياة والأحداث الخارجية والوقائع غير المستقرة للحياة اليومية.أن نكون سعداء يعني أن نتعلم الاختيار، فلا توجد رياح مواتية لذلك الذي لم يحدد ميناء الوصول، وتتضمن قوة الاختيار تعلم مواجهة الإغراءات وتحديد سلم الأولويات، وخلق التناغم في حياتنا وفق القيم والأهداف التي تهمنا، حتى نحيا وجودا ذا معنى يمتلك التوجه والدلالة بكل ما تتضمنه الكلمتان من معنى.يتحرك الكائن البشري بدافع البحث عن المعنى، وليس المحور الأهم هو الوصول للهدف بحد ذاته، فرحلة البحث والمسير أجمل من المحطة، ولن نؤجل أحاسيسنا المبتهجة حتى نحرز جميع أهدافنا، لكن الرحلة تزداد سعادة مع ازدياد شعورنا بلذة التقدم، وباستجابة المسافات للآمال الأكثر عمقا لوجودنا.