فهد السلمان

سوق عكاظ واسترداد ثقافة الجذور

لو جُبت الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه لوجدت أنه يستقي إرثه الثقافي من منبع واحد، وهو أدب الجزيرة العربية بوصفها رحم العروبة ومنبتها وأساسها، ابتداءً بالشعر الجاهلي والمعلقات، ووصولا إلى فجر الحضارة الإسلامية. هذه المرحلة الضخمة بأسمائها الفاخرة كامرئ القيس وزهير وعنترة وطرفة وعمرو بن كلثوم وقس بن ساعدة وحسان بن ثابت وكعب وغيرهم تشكل في الذهن العربي ركيزة الثقافة العربية. فالمغربي والموريتاني والليبي ينظرون كما السعودي والعماني والعراقي إلى هذا الأدب، وهذه الثقافة على أنها هي أساس الثقافة العربية، ويتمثلون شعرها وخطبها وخطابها في وقت واحد، وهم على حق بالتأكيد، لكن يظل أبناء هذه الأرض هم الوريث الشرعي لهذه الثقافة بحكم الانتماء إلى المكان، وهذا يُرتِبُ عليهم في تقديري مسؤولية استرداد تلك الثقافة، وتحديدا من خلال أسواقها كسوق عكاظ ومجنة وذي المجاز ودومة الجندل وغيرها، لإشعال ذاكرتها، وتقريبها من العصور المتعاقبة كجذر لهذه الأمة الكبيرة. وقد تنبه الأمير سلطان بن سلمان بصفته رئيس هيئة السياحة إلى هذه الخاصية التي تحظى بها الجزيرة العربية وبلادنا بالتحديد كميزة نسبية لا تتوفر في غير مكان، فعمل على استرداد أسواق العرب مبتدئا بسوق عكاظ كأحد أهم وأشهر أسواق العرب، والذي كانت تساق له لطائم ملك الحيرة النعمان بن المنذر «وهي قافلة من الجمال تحمل الطيب والمسك» لتباع هناك ويُشترى بثمنها شيء من أدم الطائف. وها هو السوق يفتح أبوابه مجددا في نسخته الحادية عشرة بعد أن نضجت التجربة، وأصبحتْ كما أراد لها سموه منطلقا لتأسيس الثقافة السياحية، التي يُعوّل عليها الوطن من زاويتين، الأولى التمسك بثقافة الجذور واستحضارها في ذاكرة الأجيال على سبيل التأصيل، والثانية: فتح آفاق فرص العمل لشباب هذا الوطن، واستثمار كنوزه في العمل السياحي، وتسويقه عالميا كبلد أصيل تمتد حضارته إلى أعماق التاريخ، لكن.. هل يكفي هذا ؟ هل يكفي أن نسترد هذه الأسواق، ونقيم لها المهرجانات؟.بالتأكيد لا، فلا يزال الطريق أمامنا طويلا، وعلينا أن نعمل معا إلى جانب سموه لننقل هذه التظاهرات إلى العالمية فإرثنا الثقافي والأدبي ليس قليلا، ولا هو نتاج ثقافات محلية قاصرة، لذلك لا بد من أن يكون عالميا بمقاييس الحاضر، وهذه مسؤوليتنا.