مطلق العنزي

عيد الخليج.. الدانة الحزنى..!

يلاحظ المرء أن العنتريات السياسية، وادعاء البطولات والشجاعة، وكثيرا من قرع الطبول، يحدث دائماً في أنظمة العالم الثالث وكثير منها هزيلة ضعيفة.لا يعدم أن نقرأ تصريحاً لمسؤول عربي أو في دول هوامش، يدعي أن نظامه الاشوس، يملك الإرادة والشجاعة، والسيادة الكاملة، ولم يخلق من يفرض أي موقف عليه.وهذه التعابير فوق أنها «مهايطة» فهي استخفاف بمؤهلات الدبلوماسية وحنكة الاحترافية السياسية، ففي السياسة لا توجد إرادة كاملة، ولا استقلال كامل لبلد ليفعل ما يشاء، والذين يعتقدون أنهم يفعلون ما يشاءون يتبخرون في هبوب الرياح. حتى القوى الكبرى تقدم تنازلات لبلدان صغيرة كي تحصل على مصالحها بالتراضي والقبول المتبادل، تفادياً لتحقيق المصالح بالقوة، وهي قادرة.لدى محترفي السياسة، يتحقق الاستقلال والسيادة حسب إمكانات البلد وبتكامل مؤهلاته الاقتصادية والجغرافية والسكانية والاقتصادية والعسكرية وثقله الدبلوماسي وحكمة قادته. وبغير أن تتوافر أغلب هذه المؤهلات يصبح العناد مسخرة ومكابرة حمقاء.ومنذ أن اخترع الإنسان مفهوم السلطة وثم الدولة والحدود والسيادة، يقيس الحكام والقادة استقلالهم وسيادتهم وفق إمكاناتهم، فالحكيمون يعرفون بدقة ما يمكنهم فعله وما لا يمكنهم فعله، أما المخدرون والمتوهمون والمضللون بهمس النمامين، فهم يسيئون تقدير المواقف، ويلبسون ثياباً أكبر من مقاساتهم ويرتكبون حماقات، ثم يتعثرون ويتجرعون الإهانات، أو يجري إلغاؤهم من المشهد.تسنت لصدام حسين ظروف مثلى ليكون زعيماً تاريخياً للعراق وحتى العالم العربي، لو أنه أدار العراق وثرواته الضخمة وسكانه بالحكمة والعدل والنية الصادقة، لكن تلبسته فكرة أنه شجاع وقوي ويفعل ما يشاء، فانتهج سلوك الحروب والغرور والعدوان والتهور، ولبس ثياباً أكبر من مقاسه، حتى قضت عليه طموحاته ورمت العراق في نيران الحرائق. ويبدو أن حكام العراق الآن يديرون بلادهم بنفس حمقه وهوجه وضلالته.معمر القذافي كان يمكنه أن يكون زعيماً لبلد ثري وأن يمنح بلاده ومواطنيه السلام والطمأنينة، لكنه حول ليبيا إلى عزبة ملاهٍ حينما أراد أن يضخم زعامته أكبر من مقاس ليبيا، وأخذ يستدعي إلى ليبيا كل آبق وكل خارج على القانون في بلاده، وكل منظر فوضوي، ويوزع الأموال على عصابات متعددة الجنسيات، وكلها تدعي تحرير فلسطين، حتى تحولت ليبيا إلى حظيرة أفاع يروع فحيحها الليبيين. ثم جنى القذافي شر أعماله وقضى ذليلاً مهاناً، وتحولت ليبيا إلى بلد فاشل وميدان حروب.نظام بشار الأسد، كان بإمكانه أن يلجأ إلى الحكمة والحنكة السياسية للخروج بنفسه وبسوريا من مأزق تاريخي، لكن بسوء تدبيره استدعى القوى الإقليمية لتحل مشكلة سوريا، فتحولت سوريا إلى محاصصات دولية، وأصبح هو أسير الحرس الثوري وميليشيا حزب الله، ولا يملك أية إرادة حتى على نفسه، ولا يجرؤ على اتخاذ أي قرار مستقل، بل لا يجرؤ حتى على الاستقالة لو أراد.طبعاً لا نريد المقارنة بين الحكومة في الشقيقة قطر وتلك الأنظمة الفاشلة التي قد خلت، ولا نود من قطر إلا أن تتمتع بالحكمة والموعظة الحسنة واتقاء أن تكون قطر ميداناً للصراعات الإقليمية، وأظن أن الدبلوماسية القطرية بقيادة سمو الأمير تميم، تدرك أخطار استيراد الصراع الإقليمي إلى أرضها، لأن ذلك طريق إلى نفق مظلم ومجهول العواقب والمفاجآت، لكن من يدفع قطر إلى أن تكون ميداناً للصراع الإقليمي؟، بالتأكيد هم أولئك، المتنوعون، الذين يعتقدون أن الحبال قد وصلت إلى رقابهم، أو أن مكتسباتهم المتنوعة مهددة ويدافعون عن بقائهم أو عن مصالحهم ولا يهمهم لا قطر ولا استقلالها ولا سيادتها، ولا حتى أميرها الذي نتمنى أن يلهمه الله الحكمة والصواب. وترعيد الخليج..كان ماء البحر دمعاً..والسماء ملبدة بالأسى..إذ تتقطع الأمشاج.. وريداً وريداً..كان العيد مأتماً..والدانة المروعة أنشودة الحزن