د. حسن العالي

إستراتيجية موحدة للحفاظ على الثروات المائية

يحتفل العالم في الثامن من يونيو من كل عام بيوم المحيطات العالمي انطلاقا من كون هذه المحيطات تغطي ثلثي سطح الأرض وهي أساس الحياة عليها. فالمحيطات تولد معظم الأكسجين الذي نتنفسه، كما أنها تمتص نسبة كبيرة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتتيح الغذاء والمغذيات، وتنظم دورة المناخ، فضلا عن أنها مهمة اقتصاديا من حيث اعتماد بعض البلدان عليها في مجالات السياحة وصيد الأسماك والموارد البحرية الأخرى، ومن هنا فالمحيطات هي بمثابة العمود الفقري للتجارة الدولية.وفي هذه المناسبة نظمت الأمم المتحدة مؤتمرا عالميا شعاره «محيطاتنا هي مستقبلنا» في واشنطن خلال الفترة من 5 إلى 9 يونيو، حيث ألقى وفد المملكة العربية السعودية كلمة ربط فيها جهود المملكة لحماية الثروات المائية ببرنامج التحول الوطني الذي يهدف الى تحقيق رؤية المملكة 2030 الطموحة، والذي يولي حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة أولوية كبيرة ويتضمن العديد من الأهداف والبرامج التي تصب في هذا الإطار. فقد أنعم الله على المملكة بسواحل مطلة على البحر الاحمر، والخليج العربي يبلغ طولها حوالي 2700 كيلومتر وتعمل المملكة جاهدة للحفاظ عليها من خلال العديد من الإجراءات ومن ضمنها عمل الدراسات والأبحاث التي من شأنها توفير القاعدة العلمية اللازمة لفهم وتوثيق البيئة البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر واتخاذ الإجراءات الهادفة الى الحد من التلوث البحري.وقبل نحو شهرين استضافت مملكة البحرين مؤتمر الخليج الثاني عشر للمياه، حيث اختتم أعماله بالدعوة إلى تنفيذ الإستراتيجية الموحدة للمياه التي وافق عليها المجلس الأعلى لدول المجلس مع خطتها التنفيذية من خلال تطوير الاستراتيجيات الوطنية لقطاع المياه في كل دولة. كما دعا إلى تكامل سياسات المياه والطاقة والغذاء وتبني نهج ترابط المياه والطاقة والغذاء في إدارة هذه القطاعات الثلاثة، والعمل على سد الفجوة المعرفية حاليا حول العلاقات المتشابكة بين الطاقة والمياه والغذاء، وتوجيه الجامعات ومراكز البحوث لبرامجها الأكاديمية وبحوثها التطبيقية لهذا الموضوع. وتلقي دراسة لمركز الخليج لسياسات التنمية نظرة فاحصة على الخريطة المائية لدول المجلس؛ معتبرة أنَها من أكثر الدّول تأثرا بقضية ندرة ومحدودية المياه، وزيادة الطّلب عليها، خاصة أن طبيعة المنطقة تتسم بصفة عامة بمناخ صحراوي جاف، لا يوفّر إلا القليل نسبيًا من المياه العذبة، إذا ما قورنت بمناطق العالم الأخرى، وتُصنّف بأنها من أفقر دول العالم مائيًا. لذلك تعمل هذه الدّول، ومنذ وقت طويل، على تقليل الفجوة بين ما هو متاح من موارد مائية محدودة أساسًا، وتتناقص مع مرّ الزمن، وما هو مطلوب للوفاء بالاحتياجات المتزايدة، نتيجة للزيادة السكانية، وزيادة الطلب على الغذاء، واستهلاك الفرد للمياه.وما زال الفاقد المائي في قطاع الزراعة، رغم محدوديتها، كبيرا نتيجة استخدام طرق الري التقليدية، وتزيد نسبة الفاقد على 80% وكثيرًا ما يؤدي هذا الفاقد - إلى جانب الضغط على المورد المائي- إلى تملّح التربة وارتفاع مستوى الماء الأرضي، ممّا يؤثر على الإنتاجية الزراعية المحدودة.لذلك، بات مفهوم تعظيم إنتاجية وحدة المياه اتجاها أساسيا وعاما لدى العالم، سواء من لديه فائض منها أو من يعاني نقصا. ويتطوّر هذا المفهوم مع الزمن بتطوّر التكنولوجيا وتقدّم الصّناعة والتنمية بشتى صورها. وفي عالمنا الجديد، هناك ضرورة لتبنّي النظرة التكامليّة لمفهوم إنتاجية وحدة المياه، آخذين في الاعتبار المؤثرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة. وقد يكون من أكبر التحدّيات التي تواجه دول المجلس؛ ضعف المخزون الإستراتيجي للمياه في بعض دول المجلس، وهي القدرة الاستيعابية للدولة من كمية المياه للاستعمال الفوري. ففي الإمارات، مثلا، يصل مخزون المياه الإستراتيجي إلى حوالي الشّهر، بينما لا يتعدى المخزون الإستراتيجي الحالي للبحرين يوما واحدا، ممّا يعني الحاجة إلى إعادة تعبئة المخزون يوميّا لتفادي نفاده، ممّا يثير أسئلة أساسيّة حول جاهزيّة الدّولة لأية كوارث أو حالات طارئة محتملة. ومن هنا يؤكد الخبراء ضرورة قيام دول المجلس بجعْل مسألة المياه في أوّل اهتماماتها مجتمعة. وقد يكون ركيزة أيّة خطة لمواجهة هذا التّحدي؛ هو النّظر إلى المسألة باعتبارها تحدّيا مشتركا يُهدّد المنطقة ككلّ، والعمل بشكل جماعي كوحدة مترابطة، ووضع رؤية واضحة وشاملة مستقبلية لكيفية معالجة الأمر على مستوى المجلس ككلّ، بدلا من اعتماد خطط فئويّة على مستوى كلّ دولة.كما يجب أن تشمل الاستراتيجية المائية المشتركة بين دول المجلس تحديث الخطط الإستراتيجية المائية الوطنية، وإعداد المخطّطات المائيّة العامة أو الرئيسية، شاملة الخطط متوسطة وبعيدة الأجل، والتأكيد على اتباع منهج متكامل في تنمية الموارد المائية وحمايتها وتنظيمها. وتحوي هذه الخطط بدائل تأخذ في الاعتبار منح إدارة الطلب على المياه أولوية عليا وآثار المسببات التي تؤدي إلى تدهور نوعية وكمية المياه. كما يجب أن تضمن تدعيم أصحاب المؤسّسات المسئولة عن دراسة وتخطيط وتنمية موارد المياه بكفاءات متخصصة في المجالات المتعلقة بالنواحي البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك حتّى تتكامل عناصر الدّراسة لأي مشروع، وتحقيقا لأهدافه المرجوّة وإشراك أصحاب المصلحة والمستفيدين على جميع المستويات في تحديد الأهداف ودعم الأولويات، وتبنّي سياسات اللامركزية في إدارة الموارد المائية.وتوجد ضرورة أيضا لزيادة وتكثيف التعاون بين دول الخليج في مجالات بحوث المياه وخصوصا فيما يتعلق بتنمية وحسن استغلال الموارد المائية من مصادرها الطبيعية (السطحية والجوفية) ومصادرها غير التقليدية (معالجة المياه العادمة وتحلية المياه المالحة) وتطويع التكنولوجيا الحديثة والإنجازات الحادثة في ثورة الاتصالات والمعلومات والربط بين المؤسسات المسئولة عن المياه وتوجيه جزء مناسب من الاستثمارات الوطنية لمجالات تنمية الموارد المائية وإدارتها وصيانتها وحمايتها في إطار وخطط السياسة الوطنية.