د. سعيد أبو عالي

المنطقة الشرقيَّة.. تاريخ وحاضر ومستقبل «التاسع والأخير»

أكثر أهل الشرقية.. السابقين واللاحقين، هم يحركون الجغرافيا. بلاد كثيرة تفرض خصائصها الجغرافية على الناس فيها.. إلا هذه المنطقة الشرقية فقد تميَّز أهلها بسيطرتهم على أرضها وبحرها. الفينيقيون بنوا مدنًا وتجارة ثم ارتحلوا إلى الشام وهناك أنشأوا مدنًا جديدة تتناغم في مسمَّياتها مع بعض المدن التي أنشأوها سابقاً مثل مدينة جبيل وابتدعوا الكتابة لحفظ آثارهم، والأقرب أنَّهم عرب ساميون.وجاء بنو عبدالقيس من تهامة شبه الجزيرة العربية إلى الأحساء والقطيف. وأقاموا نظامًا زراعيًا اجتماعيًا يعتمد على التجارة مع الفرس والهنود والصينيين ونافسوا القبائل العربية الأخرى في مجالات الأدب واللغة ولعلَّ طرفة بن العبد صاحب المعلَّقة خير مثال. وعندما ظهرت دعوة الإسلام وفدوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة مسلمين مرتين فكان منهم الصحابة الأجلاء والمجاهدون الشجعان مثل عبدالله بن عوف والجارود بن المعلى والمنذر بن عائذ والقنبر بن صبرة وبنوا في الأحساء مسجد جواثا ثاني مسجد أقيمت فيه صلاة الجمعة في تاريخ الإسلام.والملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه- رحَّب به أهل الأحساء فأجلى عنها الحامية التركية وبسط نفوذه على العقير والدمام والقطيف، فتهافت أهل المنطقة من دارين وتاروت إلى الهفوف والمبرَّز على خدمة البلاد تحت راية التوحيد. انتشرت آلاف المدارس وقامت الجامعات تؤدي رسالتها في التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع. ونتيجة لهذا فإنَّ علماء كثيرين من أبناء هذه المنطقة نبغوا في الطب والكيمياء والهندسة والمحاسبة.. وتميَّزت المنطقة باستخراج النفط وبالصناعات البترولية والكيميائية. كما وأنَّ التنمية الأدبية عمَّت الأرجاء..تحتضن المنطقة النادي الأدبي بالدمام والنادي الأدبي بالأحساء، ولكل نادٍ أسبقياته وأولوياته في الحراك الأدبي والثقافي بالمملكة.ملتقى دارين الثقافييمثِّل هذا الملتقى تجسيدًا معنويًا للتقدُّم العلمي والأدبي في بلادنا. وإنّي إذ أفخر بهذا الملتقى وبنادي الشرقية الأدبي الذي ينظِّمه فإني أشعر بالغبطة لأني عضو مؤسِّس لكل من النادي ومجلته الأدبية (مجلة دارين) والملتقى.. وفي هذا العام 1438هـ انعقد (ملتقى دارين الثقافي الثاني) واستقطب أدباء ومفكرين من داخل المملكة وخارجها. جاء أدباء من أوروبا ومن أفريقيا وآسيا. وما ذلك إلا بتوفيق الله ثم بتوجيهات سديدة من صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة وبجهود مخلصة لأعضاء مجلس إدارة النادي يتقدمهم المبدع الشاب الأستاذ محمد بن عبدالله بودي. هكذا هي المنطقة الشرقية حراك لا يتوقف، تاريخ مشرِّف، ومساهمة في بناء الحاضر، وقدرة على استشراف المستقبل في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وفقهم الله.