اليوم - الدمام

رمضان في عيون الشعر العربي.. ملامح من الإجلال والتقدير

رمضان، هذا الشهر العظيم، كان له على لسان الشعراء العرب القدامي والمحدثين ألوان وطيوف، وسمات وآيات، وعلى مر العصور استلهم الشعراء من فيوضات شهر رمضان ونفحاته أفكارهم للتعبير عن فرحتهم بمقدمه، وحزنهم لوداعه، وبدعوتهم المسلمين لانتهاز فرصة حلوله للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالطاعات وفعل الخيرات.ومن يتصفح كُتُب الأدب العربي منذ عصر صدر الإسلام، يلحظ مدى الحبِ والتقدير، الذي أولاه الأُدباءُ والشُعراء لهذا الشهر.وقد فاضت قرائح الشعراء القدامى والمعاصرين بقصائد الإجلال والتعظيم لهذا الشهر المبارك:يُرحِب الشاعر عبدالقدوس الأنصاري- رحمه الله- بشهر برمضان، ويصفه بأنه بُشرى للقلوب الظامِئة، فيقول:تبديت لِلنفسِ لُقمانها لِذاك تبنتك وُجدانهاوتنثُرُ بين يديك الزُهور تُحيِيك إِذ كُنت ريحانهافأنت ربِيعُ الحياةِ البهِيجُ تُنضِرُ بِالصفوِ أوطانهاوأنت بشِيرُ القُلُوبِ الذِي يُعرِفُها اللهُ رحمانهافأهلا وسهلا بِشهرِ الصِيامِ يسُلُ مِن النفسِ أضغانها ويقول الشاعر الكبير الراحل محمد حسن فقي بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك:رمضانُ في قلبي هماهمُ نشوة من قبلِ رؤية وجهك الوضاءوعلى فمي طعم أحس بأنه من طعمِ تلك الجنة الخضراءلا طعم دنيانا فليس بوسعها تقديم هذا الطعم للخلفاءما ذقتُ قط ولا شعرت بمثله ألا أكون به من السعداء ويقول الشاعر معروف الرصافي وهو يصف بعض الصائمين الذين يتهافتون على الطعام غير مبالين بالعواقب:وأغبى العالمين فتى أكوللفطنته ببطنته انهزامولو أني استطعت صيام دهري لصمت فكان ديدني الصيامولكن لا أصوم صيام قوم تكاثر في فطورهم الطعامفإن وضح النهار طووا جياعا وقد هموا إذا اختلط الظلاموفي شهر الصيام، تصوم الجوارح كلها عن معصية الله تعالى، فتصوم العين بغضها عما حرم الله النظر إليه، ويصوم اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة، وتصوم الأذن عن الإصغاء إلى ما نهى الله عنه، ويصوم البطن عن تناول الحرام، وتصوم اليد عن إيذاء الناس، والرجل تصوم عن المشي إلى الفساد فوق الأرض.قال الشاعر أحمد شوقي: الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، ولكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة، ويحض على الصدقة، ويكسر الكبر، ويعلم الصبر، ويسن خلال البر، إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع، والجوع كيف ألمه إذا لذع.وهاهو الشاعر «حسين عرب» يُصوِر لنا بهجة الدنيا بلُقياه، والتي لا تقف على الإنسان، بل تتعداه إلى عالم الوُجُود كله:بُشرى العوالِمِ أنت يا رمضانُ هتفت بِك الأرجاءُ والأكوانُلك فِي السماءِ كواكِب وضاءة ولك النُفُوسُ المُؤمِناتُ مكانُسعِدت بِلُقياك الحياةُ وأشرقت وانهل مِنك جمالُها الفتانُومن لطائف الشعر: أن الشاعر عمر بهاء الدين الأميري في ديوانه: «قلب ورب» نُصِح ألا يصوم لكبر سنه، فرد عليهم صادقا، وقال:قالُوا سيُتعِبُك الصِيامُ وأنت فِي السبعِين مُضنىفأجبتُ بل سيشُدُ مِن عزمِي ويحبُو القلب أمناذِكرا وصبرا وامتِثالا لِلذِي أغنى وأقنىويمُدُنِي رُوحا وجِسـمابِالقُوى معنى ومبنى«رمضانُ» عافِية فصُمهتُقى لِتحيا مُطمئِناكما يصوِر الشاعر محمود حسن إسماعيل مشهد الصائمين المترقِبين صوت المؤذِن، منتظرين في خشوعٍ نداءه، فيقول:جعلت الناس فِي وقتِ المغِيبِعبِيد نِدائِك العاتِي الرهِيبِكما ارتقبُوا الأذان كأن جُرحا يُعذِبُهُم تلفتُ لِلطبِيبِوأتلعت الرِقاب بِهِم فلاحُوا كرُكبانٍ على بلدٍ غرِيبِعُتاةُ الإِنسِ أنت نسخت مِنهُم تذلُل أوجُهٍ وضنى جُنُوبِويقول الشاعر بدر شاكر السياب في ديوانِه بِمناسبة ليلة القدر، مستنصِرا أمته وحثها على الخروج مما بِها من الذُل والهوان:يا ليلة تفضُلُ الأعوام والحِقبا هيجتِ لِلقلبِ ذِكرى فاغتدى لهباوكيف لا يغتدِي نارا تُطِيحُ بِهِ قلب يرى هرم الإِسلامِ مُنقلِبايا ليلة القدرِ يا ظِلا نلُوذُ بِهِ إِن مسنا جاحِمُ الرمضاءِ مُلتهِباذِكراكِ فِي كُلِ عامٍ صيحة عبرت مِن عالمِ الغيبِ تدعُو الفِتية العُرُبايا ليلة القدرِ يا نُورا أضاء لنا قاع السماءِ فأبصرنا مدى عجباتنزلُ الرُوحُ رفافا بِأجنِحةٍ بِيضٍ على الكونِ أرخاهُن أو سحباعطفُ الأُمُومةِ فِي عينيهِ مُتقِد وإِن يكُن لِلتُقاةِ المُحسِنِين أباولِلملائِكِ تسبِيح وزغردة تكادُ رناتُها أن تُذهِل الشُهُباوهناك العديد من قصائد الشعراء القدامي والمحدثين عن فضل هذا الشهر الكريم تقبل الله فيه صيامنا وقيامنا.