خليل الفزيع

الرياضة.. عندما تنحرف

كلمة الرياضة مشتقة من الترويض، كما أنها ذات علاقة لغوية بالرضا، لكنها في عالم اليوم بعيدة عن ترويض النفس للقبول بالواقع وتطويره إلى الأفضل دون تجريح أو اعتداء على كرامة الآخرين، ولا علاقة لها بالرضا بهذا الواقع والتسليم به ما دام يسير وفق مقاييس أخلاقية وطموحات مستقبلية تنجسم مع معطيات الحالة العامة في المجتمع، كل ذلك بسبب انحسار معنى الرياضة العام، واقتصاره على كرة القدم ذات الحظوة الفائقة على مستوى العالم، والاهتمام منقطع النظير من أغلبية الناس خاصتهم وعامتهم، مع أن الجميع يعرف أن كلمة الرياضة تشمل ألعابا فردية وجماعية عديدة.. ولا تقتصر على كرة القدم فقط.وما يحدث أن الرياضة التي يفترض التعامل معها «بروح رياضية» قد تحول إلى التعامل معها «بروح عدائية» فالانتماء بتعصب لفريق معين قد يدفع إلى تجاوز الحدود ضد الفريق الخصم لدرجة التعدي بالكلام أو بالفعل، وهو أمر لا معنى له سوى الانحراف عن مفهوم الرياضة وقيمها وأهدافها، فعندما يلتقي فريق مع فريق آخر منافس تبدأ قبل هذا اللقاء الحرب الإعلامية بين الفريقين، وهي حرب تستخدم فيها كل الأسلحة الإعلامية المباحة وغير المباحة، وعبر جميع أجهزة الإعلام المتاحة وغير المتاحة، وقد تمتد هذه الحرب إلى أفراد المجتمع لمناصرة هذا الفريق على خصمه، والأسوأ من ذلك أن تمتد هذه الحرب إلى الأسرة الواحدة عندما تختلف ميول أفرادها إلى هذا الفريق أو ذاك، أما عندما تنتهي المباراة بين الفريقين المتنافسين، فالأمر أكثر عجبا عندما يتحول المشهد إلى مناحة لدى مؤيدي الفريق المنهزم، حتى أصبحنا نرى الأطفال تنتابهم هستيريا البكاء تأسفا على فريقهم المنهزم، وكأنهم فقدوا أحد ذويهم، أما الفريق المنتصر فحدث ولا حرج عن مظاهر الاحتفاء بانتصاره، وكأنه حقق الانتصار في ميدان حرب ضروس.هناك بطبيعة الحال من يتعامل مع الرياضة بروح «رياضية» دون توتر أو انفعال أو تعصب، ولكن هذه الفئة قليلة العدد، علما بأن هذه حال كرة القدم في كل أنحاء العالم وليس في بلد معين.والسؤال الذي يطرأ دائما على غير المهتمين بكرة القدم: ألا يمكن التعامل مع هذه الرياضة الجماهيرية بشيء من الهدوء والقبول بالنتائج مهما كانت، باعتبارها غير ثابتة، بمعنى أن الفوز أو الهزيمة لا يدوم أحدهما لفريق بعينه، فلماذا لا تنتهي هذه الحالات بانتهاء المباراة، هذا السؤال يمكن أن يجيب عنه المختصون في علم النفس، مع أن قليلا من التعقل يمكن أن يبعد التعصب في الانتماءات الرياضية.