كتب: سعد عبدالله الغريبي

مرافعات عن المرأة.. قراءة في ديوان «لا تقرؤوني»للشاعرة أميرة صبياني

(لا تقرؤوني) ديوان أنيق شكلا ومضمونا للشاعرة أميرة صبياني صدر حديثا عن مؤسسة الانتشار العربي في مائة وثلاثين صفحة من القطع المتوسط.. أول ما يخطر على بال متصفح هذا الديوان أن المؤلفة قصدت من عنوانها التحريض على قراءته بعكس منطوقه. لكن المتمعن في القصيدة التي حمل عنوانها اسمُ الديوان -وهي أطول قصائد الديوان إذ بلغت اثنين وعشرين بيتا- يجد أن الشعر عند الشاعرة جمر من البوح ولهيب ولظى. إنه قواف ولغة من الآلام، فهي -شفقة على القارئ- تنصحه بعدم قراءة شعرها:لا تقرؤوني فبعض الشعر من نزقي وبعضه مِزق من نزف تجربتيلا تقرؤوني فإعجام الكلام غدا ثوبا لخفقي وعنوانا لأمسيتي لا تقرؤوا لغة الآلام إن لها سوطا من النار يشقي نبض ناصيتيوتنصح بدلا من ذلك بزيارة القريض الربيعي المشبع بفرحة الغيث:زوروا القريض الذي يحلو الربيع به ورافقوه ولا تبقوا بأوديتيوحلِقوا بسماء السعد واتخذوا من فرحة الغيث كونا لا يرى صفتيهذا الديوان يتألف من إحدى وأربعين قصيدة ما بين عمودية وقصيدة تفعيلة لا يتجاوز متوسط طول قصائدها العمودية عشرة الأبيات، مما يعني تركيزها على الغرض الأساس من القصيدة دون الحاجة إلى الاستطراد الذي لا حاجة له.كما يلفت الانتباه كثرة المقدمات النثرية التي تمهد بها لقصائدها. ويغلب على الظن أنها أرادت أن تنبه القارئ إلى أنها لا تتحدث عن نفسها، بل بوصفها محامية للمرأة المضطهدة فهي تعرض قضاياها، وتقف إلى جانبها مترافعة تارة، ومتضامنة معها وناصحة لها تارة أخرى. وأحيانا توجه خطابها للرجل مؤنبة إياه لسوء معاملته للمرأة مهيضة الجناح.ففي قصيدة (وتسأل) تبدأ بمقدمة نثرية تقول فيها: «عنها ومع التحية وعن كل امرأة في مهب الريح». تحمل هذه القصيدة عتابا قاسيا للرجل، وتتأسف كثيرا على أشعارها التي ناجته بها زمنا:ما زلت أحتقر الدموع وجمرها وقصيدة كتبت بحبر مناكاعني فلا تسأل وسل عن خافقي كيف ارتوى بالكره حين رآكاكيف اكتفى بالصمت من بعد الذي ناجاك من أشعاره وسقاكاوهي تعتز في أكثر من قصيدة بشعرها وتتحسر على إهداره في واد غير ذي زرع. تقول من قصيدة (رجع الصدى):من أنت حتى تسوق الليل في طرقي وتغرس الشوك في شعري وإيحائيوما القريض إذا جاشت برفقته مشاعر أعلنت بالكبر إيذائي؟صحراء دنياي ما أبقت وما تركت للرمل قطرا وغالت ظل أفيائيوبوصفها محامية المرأة المستضعفة، فهي تريد منها أن تكون قوية بشموخها وعاطفتها، فتخاطب الرجل بنبرة لا تخلو من التحدي. تقول من قصيدة (الزيف المباح):لا تحسبن حدائقي غابتوغادرها الصباح..فهناك آلاف السنابل لم تزل تحكي الشموخ مع اعتداءات الرياح..وهناك آلاف القصائد في ضميري لم تزلتشدو وتسمعها البلابل بارتياح..وتبدأ قصيدتها (تسلط) بمقدمة نثرية تقول فيها: «أنثى وينهكها تسلط من سيطر على تفاصيل حياتها مقيدة فيه وهي تستطيع فك القيود». ثم تبدأ القصيدة:بُليتُ بظلمك يا سيدي وكُلفت عيشا يغل يديبليت وقلبي ملاذ الجراح وأنت الجراح وحظي الرديوتُحمِل عاطفتها ذنب تحمل العيش معه:ولا ذنب منك ولكنني أنا المبتلاة بقلبي النديوفي قصيدة (بعيدا بعيدا) تعيب على الرجل سوء اختيار الكلمات التي يخاطب بها شريكته، وعدم الإصغاء إلى مشاعرها، ولا تتوقف عند هذا الحد، ففي قصيدة (كلمات من سحر) تطلب منه صراحة التعبير لمحبوبته عن مشاعره -ولو كذبا- قبل أن تستجديه:قل لي أحبكِ لو قصدت سواها سكِن فؤادي حقبة بنداهالا تبخلن بكل ألفاظ الصفا وأصدق أو أكذب لن أرد سخاهاوتخف لغة الشاعرة وتخرج من أسر المحامية، لنجد قصائد تخاطب فيها رفيق الروح خطابا رقيقا، كما في قصيدتها (ألهمني حنيني):أحبك يا رفيق الروح لكن فؤادك لن يطيق مدى حنينيأحبك فوق ما تهوى وتهوى وعندك صبوة القلب المصونوتدعوه لأن يكون لها دليل العشق:وإني أنت يا نفسي فكن لي دليل العشق كن أرقى لحونيوفي قصيدة بعنوان (تفديك نفسي) تعبر عن عواطفها نحوه وحاجتها إليه مدفنا للهموم ومعينا للحنان:ويزيد سعدي إن دفنتُ الهم في صدر أمين طيب ورشيدِتفديك نفسي يا مآل الخير يا طعم الحياة بطهرها المورودوفضلا عن القصائد التي تستهدف ترميم العلاقات المتصدعة بين الرجل والمرأة تتطرق الشاعرة أميرة إلى موضوعات أخرى إذ تخلل الديوان أربعُ قصائد بمثابة ابتهالات دينية، وقصيدتان في التبرم بالحياة والشكوى منها رغم التعلق بها.وختاما لا بد أن أشيد بما حفل به الديوان من صور جميلة كمثل قولها:من أنت حتى تسوق الليل في طرقي وتغرس الشوق في شعري وإيحائي؟وقولها: ورحت أرعى ذئاب الهم فاجترأت على الحقول وألغت رقص أغنيتيولا أنسى كذلك لغة الديوان الفصيحة الخالية من الأخطاء ما عدا بعض الأخطاء المطبعية اليسيرة التي قلما سلم منها كتاب.