د. مبارك الخالدي

الفراشة

لم يكن قضى وقتا طويلا، عندما اهتدى لفكرة إنشاء حساب «تويتر» جديد بُعيد إعلان تعيينه في المنصب الكبير. فطفق على الفور يبث تغريداته: تغريدة يشكر فيها من اتصلوا للتهنئة هاتفيا، وأخرى لمن غردوا بالتهنئة، أو عبر الواتس اب، وأخرى يعِدُ فيها بأن سيكون عند حسن ظن الجميع.كان الوقت قبل الشروق بدقائق عندما ألقى برأسه على الوسادة بعد أن أوصى زوجته بأن توقظه بعد ثلاث ساعات. طلبت منه وهي تشع بهجة أن يثق بها، مؤكدة أنه لن يغمض لها جفن وستقضي الوقت بالرد على رسائل التهنئة من قريباتها، وصديقاتها وجاراتها وزميلاتها في العمل. وكان هو قد قضى الوقت منذ إعلان تعيينه إلى لحظة ارتمائه على السرير في إعادة التغريد، أو النقر على نجمة التفضيل، أو على السهم الذي يشير إلى اليسار ليرد على بعض المغردين، أو شكر المهنئين عبر الواتس اب، ولم يعر اهتماما كبيرا للمهنئين بما يسميها الرسائل القديمة «الأولد فاشن»! قال لمدير مكتبه بصوت فوق الهمس قليلا: أريد منك العمل فورا على الاعداد لعقد مؤتمر صحفي كبير الليلة، تأكد من أن يحضره ممثلون من كل الصحف، وبعد الفراغ من الاعداد له أريد أن تعد لمؤتمر آخر ليوم غد مع الاعلام المرئي. الصورة مهمة كما تعرف. الصورة نصف النجاح، أو كله. كان قد جلس في الكرسي الكبير في المكتب الكبير أربعة أيام، عندما طلب لأول مرة من مدير مكتبه أن يعرض عليه ما سماها «المعاملات»، ولم ينس التذكير بنجاحه الاعلامي الكبير في خلق صورة جميلة وانطباعات إيجابية عند الناس. ما المطلوب مني؟ تساءل عندما بدأ مدير مكتبه يعرض ما سماها المعاملات أمامه. «لا شيء، طال عمرك» قال مدير مكتبه بتأدب، وأردف «فقط توقيعك الكريم طال عمرك». فانبرى يرسم على «المعاملات» توقيعه الذي وصفه مدير مكتبه بالأنيق والمميز جدا. في اليوم التالي، جلس أمامه مدير مكتبه بهدوء: بعض المعاملات تحتاج لتوقيعك طال عمرك. وقِع هنا طال عمرك، وهنا طال عمرك، وهنا طال عمرك. في الشهور التالية: هنا طال عمرك، وهنا طال عمرك..و...