د. مبارك الخالدي

البساط السندسي لم يمت!

كان ياما كان في قديم الزمان، كانت المواضيع تتكرر في مادة «التعبير/‏الإنشاء» مثل «وصف يوم ممطر»، «وصف فصل الربيع أو الخريف» أو «وصف رحلة» إلى البر غالباً. وكما تكررت المواضيع، كانت تتكرر عبارات معينة. وكان لكل موضوع عبارات خاصة به، تُحْفظ في أمكنة خاصة لها في الذاكرة، فما أن يطلب المعلمُ الكتابةَ عن أحد تلك المواضيع حتى تُفتح تلك الأمكنة/‏المستودعات لإخراج تلك العبارات واسقاطها على الورق.فاذا كان موضوع التعبير، وصف فصل الربيع، فلا يمكن أن يكتب أحدنا «قطعة» تخلو من «وإذا جاء فصل الربيع ارتدت الأرض حلةً قشيبة» أو «أصبحت الأرض بساطًا سندسيًا». عبارات جاهزة نقحمها في الكتابة بنوع من التباهي والشعور بالفخر والرضا عن ذواتنا الصغيرة؛ لأننا نعرف تلك العبارات الجميلة، التي لم نكن نعرف معانيها، ولا نكترث لمعرفتها ولم تكن الأرض التي نقيم ونحيا ونمشي عليها ترتدي حللا قشيبة أو تنفرش عليها بسط سندسية. ربما كنا في استخدامها نحاول أيضا «تجميل» تلك الأرض رغمًا عنها، لتظهر بصورة غير صورتها الحقيقية.وعلى النقيض من ذلك، كان تعاملنا مع فصل الخريف، الذي ظلمناه كثيرا أو عُلِّمنا أن نظلمه بتعبئة ذاكراتنا بالعبارات التي تجرده من الجمال تجريدًا كاملًا بإماتة كل أنواع الورود والأزهار فيه، وبتعرية كل الاشجار بدون استثناء، وتحويلها إلى هياكل خشبية لكي تتفق وتنسجم صورته على الورق مع صورته «القبيحة» في أذهاننا، رغم أنه في الواقع فصل له جماله الخاص كما رأينا في البلدان التي تكون فيها الاختلافات بين الفصول واضحة. كنا نتحرك في الكتابة بين قطبي التجميل والتقبيح، حقيقة اكتشفناها فيما بعد.لكنهما كانا «تجميلًا وتقبيحًا» يمارسان ببراءة، فهذا ما تعلمناه -أو لُقِّناه - عن الربيع والخريف. وهما يختلفان تمامًا عن «التجميل والتقبيح» اللذين يمارسان طيلة الوقت الآن بقصد وعن سابق إصرار وتخطيط، وقد اضطلع بمهمة القيام بهما بعض الإعلام، إن لم يكن جلّه. فلا يزال البساط السندسي والحلل القشيبة وقبح الخريف الاجباري على قيد الحياة، ولكن اختلفت توظيفاتهم، والغايات من استخدامهم، واختلف المعلم!!