مطلق العنزي

فن التنميط.. «وصلة» سطحيات..!

ينوح العرب ويذرفون الدموع، ويخفضون جناح الذل في كل محفل جراء «الصورة النمطية» المهينة والمذلة في الإعلام الغربي، وضلالات هوليوود أو تقصداتها المتجنية واستهدافات المحافظين الأمريكيين الجدد ومتزمتي الليبرالية. لكن، في الوقت الذي يسن العرب ألسنتهم، ويدعكون الجباه، استعدادا للذود عن حياض الكرامة المهدورة، ومقارعة الضلالات المبينة والتقصدات المتعمدة، لمواجهة المنمطين ودحر النمطية، هم أنفسهم، العرب ما غيرهم، يظاهرون على أنفسهم، وينهمكون أيضا، في أعمال ظلامية من هذا النوع، وينسجون بألسنتهم «نمطيات» لا تقل سوءا ولا إهانة عما تنشره وسائل الإعلام الغربية، إن لم تكن أفدح وأكثر فحشا، إذ يصممون، بأيديهم، سياطا عجيبة غريبة مؤلمة «لسَّاعة» ووحشية لجلد الذات وتعذيبها، أو يتبرعون بإطلاق الرصاص على أقدامهم. ويوجد فرق بين الجلد والسادية في التناول، وبين النقد. الأولى عدوان وحشي والثانية أداء صحي للتنوير والتقويم والإصلاح.وأخطر ما في نمطية الصورة العربية السلبية في الإعلام الغربي، ليس تشويهها المضلل أو المتعمد للعرب فقط، وإنما نتائجها، إذ الثقافة الغربية صادرت واستلبت شخصيات عرب سطحيين بؤساء ومتواضعي المعرفة وهزيلي الذكاء، حتى وإن زينوا أنفسهم بالشهادات وزخرفوا أسماءهم بـ«د» الدكتوراة، وتفاخروا بأنهم أساتذة في الجامعات أو مفوهو منتديات، وهم نوعية عريضة تنتشر في المجتمعات العربية وتوزع بؤسها وسطحياتها وغثاءها وظلاماتها، وأحيانا تعشش في الجامعات قلاع العلم والمعرفة والنور.وعلى الرغم من أن مسألة نسج الصورة النمطية السيئة عن العرب في الإعلام الأمريكي قديمة ومألوفة، إلا إنني لم انتبه لخطرها الاستلابي الأفدح، إلا حينما شاهدت ندوة في تلفزيون «بي بي سي»، يستضيفها أسبوعيا برنامج «دنيانا»، تقدمه ندى عبدالصمد التي تتمتع بذكاء وبمهارة «تحريض» ناعمة وقوية، وتلك من مناقب الصحفيين المحترفين، وليس فواكه مذيعات «الفاشينيستا» المتعجرمات.الندوة ناقشت المناهج العربية، والموضوع جيد، صحفيا، ومغر للطروحات الجادة، إلا أن ما هو ليس بجيد، بل و«غثيث» أن الندوة جمعت ثلاث شخصيات، واحدة فقط منهن ناجية هي الدكتورة المصرية نيفين سعد، أما الدكتورة السعودية هتون الفاسي، والأردنية زليخة أبو ريشة فبدتا ليس أكثر من «نمطيات» وترددات تسوناميات السطحية البائسة، وتخلطان كثيرا أو لا تفرقان بين النقد والتشويه. وتمتعت أبو ريشة، في الندوة، بأنها مأدلجة حد البلاهة، في وقت لم تعد فية الأديولوجيات وهذيان الشعارات بضاعة رابحة في أي مكان من الأرض، بعد أن أصبحت من البؤسيات البائدة للألفية قبل الثالثة، وضلالات ما وراء الستار الحديدي. وبلغ السوء حدا أن الفاسي أوردت «خبرا» وأدلت بمعلومات غير صحيحة على الإطلاق، مثل أن المناهج هنا أو معلميها يتسببون بحالات تبول لا إرادي لأطفال. وأجزم أنه ليس لديها أية وثيقة تثبت صحة هذا الخبر المسيء، بل لمجرد شهوة للكلام و«تمليح» الندوة بمعلومات مختلقة مثيرة أو أنها رضيت أن تكون مجرد صدى للشائعات. ويبدو أنها آمنة من المحاسبة وإلا ما أدلت بمعلومات بلا توثيق. ولا اعتقد أن الدكتورة الفاسي أوردت هذه المعلومات تجنيا، وإنما يبدو تلك هي حدود فهمها وقدرتها الذهنية على التمحيص، وعجزها عن التمييز بين المعلومة والشائعة، خاصة وأن لها سوابق ارتكابات سطحية من هذا النوع، مع أنها استاذة في جامعة الملك سعود، وكم في الجامعات من ظلاميات ومثالب مروعة. وترالأرض الأم، مهد القلوب النابضة، وأفراحومناحات وجنائز، من أفق جزر الشرق حتى غروب الشموس وأناشيد صبايا سنابل القمح في المسيسبيومن شمال الصقيع، وحراب الجوالينحتى يلد التاريخ الغاشم أحزان ترانسفال الخضراء