د. مبارك الخالدي

عندما تطلق الصحافة الرصاص على أقدامها

قرأت في الأمس القريب حوارًا مع إحدى «الشخصيات» التي تتربع على قمة إحدى المؤسسات الوطنية، وأحسست أثناء قراءته أن الصحفي الذي أجرى الحوار مع المسئول يحمل في ذهنه تصورًا سيئًا بالغ القتامة ينم عن الاستخفاف بالقراء، وإلا لما أقدم على طرح تلك الأسئلة «البايخة» على المسئول. أظن أن الفرح تفجر ينابيع دافقة في «عمق» المسئول وهو يقرأ تلك الأسئلة التي تكشف أن الصحفي لم يتعب في إعدادها فغايته كانت أن يضع بين يدي المسئول الكريمتين أسئلة تفتح شهيته الكريمة للكلام «المأخوذ خيره» وأن يسهب ويطنب على «كيف كيفه» في الحديث عن إنجازات لم تنجزها مؤسسته بعد، وعن المشاريع العديدة التي تحدث عنها مرارًا وتكرارًا، والتبشير بفتوحات كبيرة في مجال عمل مؤسسته. لم يكن ذلك الحوار غريبًا وشاذًا، ولا الأول من نوعه، فقد نُشر قبله وسَيُنْشَرُ بعده حوارات مشابهة ما دام هناك من الصحفيين من يراهن على غباء القراء، ولا يكن لهم الاحترام. فلو كان ذلك الصحفي يكن في داخله ذرة من الاحترام لهم، ويؤمن بأن القراء ليسوا أغبياء كما يتصور، ويميزون المادة الصحفية الجيدة من الرديئة، ما أقدم على كتابة تلك الأسئلة، وما واتته الجرأة على إجراء ذلك الحوار من الأساس. كان حوارًا لملء جزء من بياض الصفحة من جهة، ومن جهة أخرى لإعطاء المسئول فرصة جديدة تضاف إلى رصيده من الفرص التي يقدمها ذلك الصحفي وأمثاله لتلميع صورته بالحديث عن المشاريع والإنجازات «بيض الصعو» لمؤسسته. خيل لي وأنا اقرأ الأسئلة أن المسئول نفسه كتب الأسئلة وأجاب عنها، أو أنه والصحفي اشتركا وتعاونا على صياغة الأسئلة والإجابة عنها، أو أن إدارة العلاقات العامة في المؤسسة أعدت الحوار «من إلى» وأرسلته إلى الصحفي الذي، وبدون تردد، صدّره باسمه. لا استبعد الاحتمال الأخير على الإطلاق! في زمن حاجة الصحافة الورقية إلى إيقاف -أو بالأحرى- إبطاء خسارة المزيد من قرائها، يكون نشر مواد تفوح منها رائحة الاستخفاف بالقراء«رصاصة» تطلقها الصحافة على قدمها. فهل توقف إطلاق الرصاص رأفةً بأقدامها!!