فهد الخالدي

التعليم والتلقين.. ومواد الهوية الوطنية

من تابع ما قاله وزير التعليم، يوم الخميس قبل الماضي، في ورشة العمل التي عقدت في الوزارة، حول المناهج في المدارس العالمية، وعن نزوع المعلمين إلى التلقين. ويتمعن في هذا الكلام ثم الردود المؤيدة والمعارضة لهذه الأقوال؛ يخرج باستنتاج واحد، وهو الرغبة في الأفضل، والبحث عن كل ما من شأنه تحسين مخرجات التعليم في المملكة، وهو أمر لا يختلف اثنان على أهميته وضرورته؛ لأن الجميع يدرك أن المرحلة تقتضي ذلك، بل تتطلبه بإلحاح شديد لأسباب عديدة، أهمها: أن العالم كله من حولنا يتغير ويتجدد، وأنه لا يمكن أن نقابل ذلك بالتردد والبقاء على ما نحن عليه، لا سيما وأن التعليم في كل الشعوب والأمم (وهو كذلك لدينا أو ينبغي أن يكون) هو الرافعة التي تهيئ لكل الجهود الهادفة لصناعة مستقبل أفضل في كافة المجالات، ولأن مخرجات التعليم هي مدخلات كل عمليات التطوير والتحديث في كل مناحي الحياة، ليست العلمية فقط، بل والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية وغيرها، ولا أعتقد أن اثنين يختلفان حول هذه الحقائق. وإذا كان من يطالبون بالتجديد والتطوير والتغيير في إستراتيجيات التدريس وأساليبه ومناهجه وهو ما لامس حديث الوزير جانبا هاما منه عندما أشار إلى استمرار البعض باعتماد التلقين أسلوبا على الأقل في بعض مدارسنا وخاصة في مدارس التعليم العام.. إذا كان من يقولون هذا القول محقين- وهم كذلك فعلا -، فإن من يصرون على أن التعليم لدينا لم يزل كما كان منذ سنوات هم مخطئون أيضا.. صحيح أنه ليس بالمستوى الذي نريد، وأنه بحاجة إلى التطوير والتغيير والتحديث ومواكبة المستجدات التربوية والعلمية في المناهج والمقررات وإعداد المعلمين وتدريبهم وفي طرائق التدريس وتطويرها، إلا أن الذين يعرفون حق المعرفة واقع التعليم في سنوات خلت يدركون كم هي عظيمة تلك الجهود التي بذلت خاصة في المجال الكمي والعددي، حيث لم يكن التعليم بهذا الانتشار أبدا.. ليس كذلك فقط، بل هناك تغيرات نوعية ملموسة لا يمكن إنكارها وإن كنا نؤكد مرة أخرى أننا بحاجة إلى المزيد منها.. لا يمكن إنكار التطورات الكبرى في مجال البيئة المدرسية والبنية التحتية وتوطين مهنة التعليم، وكذلك الخطوات المتواصلة في مجال إعداد المعلمين الذين كان يكتفى قبل سنوات أن يحملوا الابتدائية، ولم يعد يعين في هذه الوظيفة الآن إلا الجامعيون، بل ومن التخصصات التربوية أيضا. صحيح إن هناك حاجة ماسة ما زالت تلح على التعليم العام بشكل خاص في مجال المناهج وملاءمتها لاستخدام التقنيات الحديثة في تعلمها، وفي توفير هذه التقنيات للمدارس وتدريب المعلمين على استخدامها، مما يتطلب أيضا العمل على حوسبة المناهج والمقررات بشكل يجعلها صالحة لتوظيف التقنيات في تعلمها توظيفا معتمدا أيضا على تدريب المعلمين على استخدام الاستراتيجيات الحديثة في التدريس، وهي الاستراتيجيات التي يتيح توظيفها من قبل المعلمين الخروج من دائرة التلقين الذي يحشو ذهن الطالب في أحسن الأحوال بمعلومات، بينما لا تعتني بجعله قادرا في نفس الوقت على توظيف هذه المعلومات في حياته اليومية في عصر يقوم على مهمة التعليم وإعداد الطالب للحياة، لأن التعليم الذي يقوم على التلقين لا يكسب الطالب المهارات اللازمة لذلك. ولذلك، فإنني أعود وأؤكد من منطلق الخبرة والتجربة والاختصاص، أن دعوة الوزير للتخلص من التلقين هي دعوة محقة، وأن أفضل رد عليها هو البحث عن المخرج من التلقين إلى ما هو أفضل منه من الأساليب وطريقة الوصول إلى ذلك، وهو أمر لا شك أن الوزارة هي في موقع المسؤولية لتحقيقه، لا سيما وأن الدولة لا تبخل بغال ولا نفيس في سبيل تحقيق مثل هذه الغايات النبيلة. وإذا كانت مقارنة مدارس التعليم العام بالمدارس العالمية ينبغي أن تراعي الإمكانيات التي تتوفر لهذه المدارس، والتي يندر أن تتوفر لغيرها، فإن المؤكد أن توفير مثل هذه الإمكانيات لمدارس التعليم العام سوف يؤدي إلى نتائج تفوق ما نتوقع - بإذن الله-، لا سيما وأن هناك كثيرا من المبادرات (هنا وهناك) التي أكدت قدرة هذه المدارس على مواكبة غيرها عندما تتوفر الظروف. أما ما أشار إليه وزير التعليم من ملاحظات حول مواد الهوية الوطنية ومستوى تعلمها في المدارس العالمية، وكذلك أداء طلبة هذه المدارس في المواد المشار إليها وهي على وجه الخصوص التربية الإسلامية واللغة العربية، فهي ملاحظة هامة جدا تؤكدها شكوى كثير من أولياء أمور طلاب تلك المدارس من المواطنين والمقيمين، كما يؤكدها واقع أداء كثير من طلبتها، وبذلك فإن ملاحظات الوزير هي أيضا في محلها، وهو انطلاقا من موقعه يدعو إلى التعامل مع هذا الأمر بما يعيد الأمور إلى نصابها ويصوب واقع تعليم هذه المواد في المدارس العالمية وبنفس المستوى الذي يدعو إلى التعامل مع موضوع استراتيجيات التدريس وضرورة الاستغناء عن «التلقين» بالتعليم الذي يعتني بالتفكير والإبداع والابتكار ومساعدة الطالب المتعلم على الإتقان وامتلاك المهارات التي توظف المعرفة وتستخدمها لصالح الفرد والمجتمع.. ليكون التعليم بمفهومه الصحيح وهو إعداد المتعلم للحياة.