خالد الشريدة

جدار حصين

ليست اللحمة الوطنية مجرد شعارات ومبادئ معنوية فضفاضة يمكن إطلاقها في المهرجانات الخطابية أو المجالس، وإنما هي شعور حقيقي بالانتماء والولاء للوطن والعمل على الحفاظ على وحدته ومقوّماته دون منّ أو مزايدة، فليس طبيعيًّا أن تكون هناك مطالبات تؤثر على أمن المجتمع والوطن؛ لأن ذلك ينطوي على انحراف عميق في فكرة الوطنية سواء في المفاهيم القديمة أو الحديثة، الحقيقة أن هناك محاولاتٍ كثيرة لحدوث اختراق للأمن الوطني باستغلال الشباب خاصة في تعكير المزاج الوطني والشعبي وبناء أسس لمظاهر احتقان غير مسؤول أو مبرر.الطبيعة الفكرية للمجتمعات عامة تحتمل كثيرًا من المفارقات والمضامين التي تميّز كل مجتمع عن الآخر، ولكن تظل القواسم المشتركة هي المحدّد الأكبر لمرونة العلاقات الاجتماعية وترسيخ القيم والأعراف المشتركة، وبالتالي بناء فكرة اللحمة الوطنية التي تصبح أهم عوامل بناء المجتمع وتنظيم نشاطه بما يخدم الوطن ويُعزز أدوار الأفراد من أجل التنمية والعطاء دون حسابات ضيقة أو ارتهان لمؤثرات خارجية.من المهم أن تكون اللحمة الوطنية جزءًا أصيلًا في تركيبة الفرد المواطن وأن يشعر بها في إطار ولائه وحبه لوطنه دون أن يُزايد عليها أو يجعلها قابلة لتوظيفها لما فيه مصلحة خاصة لا تستقيم مع مصالح الوطن والمجتمع، ولذلك عندما نشعر أو يحدث تحرُّك ما في إطار المحاولة للتعبير عن شيء ما، ينبغي ألا يكون ذلك على حساب معطيات الاستقرار خاصة في ظل كفالة النظام الاجتماعي والسياسي للتفاعل مع أي مظاهر مطلبية في سياقات منظمة وقنوات محدّدة لذلك تضمن سلامة المجتمع وأفراده من الزيغ والانحراف عن مبادئ اللحمة الوطنية.مطلوب مراجعات وإعادة نظر فيما يقوم به كل شاب في تفاعله من خلال الشبكة العنكبوتية وألا يسمح لها بتخريب قناعاته وفطرته، فالفكر الإنساني إنما يقوم بالدرجة الأولى على قواعد ذاتية تلهم صاحبها الصواب وتجعله يحترم الثوابت الوطنية والاجتماعية دون إفراط أو تفريط.فكرة الوطنية في إطار ما يُعرف بالعولمة تفرض جملة تحديات لمظاهر اختراق وغزو ثقافي يتطلب بناء جدار حصين للأمنين الوطني والاجتماعي، وينبغي أن يتمّ ذلك ابتداء في إطار ذاتي من صميم قناعات الفرد بأهمية الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والوطني والمساهمة فيه؛ لأن هناك بالفعل مَن يستغل الحالة التي تفرضها وسائل الاتصال الحديثة في استقطاب واستدراج الشباب لتخريب فكرهم وقناعاتهم.