لمى الغلاييني

تَخَلَّصْ من برمجة العصا

يعلم الجميع ما معنى عصا الخيزران، ذلك الوحش المخيف الذي يرهب الكثير من الأطفال، وصاحب الذكريات المرعبة للعديد من الكبار، لكن الكثير لا يعلم فلسفة شجرتها الرائعة المتنافية مع رعب العصا، ومن الأكيد أن الملوحين بالعصا يتجاهلون حكمة الشجرة الأم، ولهؤلاء نحكي الحكاية. تزرع شجرة الخيزران الصينية بعد تجهيز الأرض جيدا، ولا يلاحظ أي نمو على سطح الأرض خلال السنوات الأربع الأولى، ما عدا كرة صغيرة يخرج منها برعم بسيط جدا، وقد يعتقد قليلو الخبرة من المزارعين بأن النبتة فاسدة أو أنهم لم يجيدوا عملية البذار، لكن القدماء يفهمون سر الاستراتيجية، فالنمو الذي تحققه الشجرة في السنوات الأولى هو في الجزء الموجود تحت الأرض، وفي السنة الخامسة تفاجئ الجميع بنمو هائل يخترق سطح الأرض ليصل إلى ثمانين قدما. يستفيد رب الأسرة الحكيم من خبرة شجرة الخيزران، ويقدر قيمة الاتقان في مراحل الحرث والبذار والعناية الدائمة، فلا يستعجل النتائج، لأنه يفهم قوة قانون الحصاد، مما يجعله حريصا في ممارساته التربوية على بناء الثقة وتوفير المناخ الصحي لازدهار العلاقة الإيجابية، لأنه يمتلك الإيمان الحكيم بأن الجذور تتهيأ بهدوء تحت الأرض لتشق القشرة وتبرز بشجاعة للعيان.نحتاج كلنا أن نستوعب قانون الحصاد، فلا نعتمد طرقا مختصرة في قطف الثمار، فالبذار يسبق الحصاد شئنا أم أبينا، ولن نتمكن من انتهاك القانون بل كل ما نفعله هو أن ننتهك ذواتنا أمام القانون.صمم على أن تتبنى فلسفة الخيزران حتى لو كانت ذكرياتك مبرمجة على العصا، وامتلك روح المبادرة وأعد صياغة مفاهيمك التربوية، بالحرص على تنمية رصيد عال في بنك الأحاسيس مع عائلتك من خلال علاقة تسودها الثقة والاحترام، وتبادل الحوار، ولا تمارس الإشراف الاستبدادي العقيم فهو أسلوب انفعالي لا يثمر إلا شوكا.في العلاقات الانسانية لا يمكنك التزوير، فنادرا ما تبنى الثقة بجهد درامي مفتعل يتم بذله لمرة واحدة، لكنها ثمرة لجهد منتظم نابع من الضمير والقلب، فكل وقت نستثمره في الفهم العميق لاحتياجات من نحب يثمر مكاسب كبيرة على المدى الطويل، ويقضي على المشاحنات في مهدها، ويشبه ذلك الحساب المصرفي الذي تدخر فيه دوما، مما يمنحك رصيدا أعلى وحرية أكبر في السحب وقت الأزمات.