د. طرفة عبدالرحمن

توهان السعادة

الرضا والسعادة غاية الإنسان منذ خلق.. هما غاية البشر جميعا، بل إن الديانات السماوية كلها كانت تبشر بنعيم الآخرة الذي هو جوهر قضية البشر كمحفز أكبر لاعتناق الدين والالتزام بشريعته.. لا يختلف احد على هذا المبدأ، الناس يختلفون فقط في وسائل تحقيق هذا المبدأ (السعادة).. ليست المشكلة أن تختلف ذائقة الناس في مفهوم السعادة وتحقيق الرضا والارتياح الداخلي، الاشكالية تبرز في الأشخاص الذين لا ينتبهون للفرق بين السعادة الحقيقية وبين طريق السعادة المُتخيل، فالثاني طريق طويل يعلق فيه الكثير لأنه لا نهاية له.. إذا أردنا أن نفهم اولى أبجديات السعادة فعلينا أن ندرك أنها لا تحتاج لشروط كبيرة وكثيرة لتحقيقها، تحتاج صناعة فرصة آنية تأتي من ذاتك وليس من خارجك، الأشخاص الذين انتظروها من الظروف أدركوا انهم ضيعوا وقتا وسنوات من اعمارهم سدى..الذين اعتقدوا انها كانت في ترقية وظيفية أو في اقتناء مالي معين أو حتى الحصول على أي أمر آخر فهموا لاحقا أن السعادة الحقيقية التي انتظروها لم تتحقق بعد بلوغهم مرادهم، وانهم ضيعوا وقتا طويلا من الانتظار لغاية لم تدرك بعد.. الأقسى من ذلك ان بعضهم كانت أمنياته التي حققها هي السبب في اتعاسه او اغراقه في انتظارات اكثر وقلق أكبر، فالذي حصل على المال ازدادت شهيته لجمعه بشكل أكبر، والذي حصل على منصب وظيفي معين ازداد طعما في بلوغ ما يليه.. وهكذا.. عموما لا يمكن لأحد ان يدعي انه يملك وصفة معينة للسعادة، أو أنه يفهم شروط بلوغها، لأن الأذواق والاتجاهات والأفكار والميول البشرية مختلفة، لكن على الأقل يمكننا الاقتراب من فهم معوقاتها ومعرفة مناطق التوهان فيها..باختصار؛ لا تؤجل فرحك واستمتاعك بالحياة لفرص بعيدة المدى.. لا تفرط في الأشخاص الذين يشعرونك بالحب والارتياح لأنهم إحدى نعم هذه الحياة.. عنصر المغامرة والتجربة سيجعلك تشعر بأنك حر وتملك شجاعة الاختيار، افعل ذلك.. لا تجعل سبيلا للندم يجتاحك في لحظات التفريط؛ فخلاصة تجارب الآخرين ونهاية قناعاتهم التي تواتروا عليها وهم على اعتاب الموت، تقول: انهم لم يندموا على القرارات الخاطئة التي ارتكبوها في حياتهم، إنما على تلك القرارات التي لم يتخذوها. أخيرا: الحب ضالة السعادة في حياة البشر..