د. مبارك الخالدي

ليس لـ (كومار) من يخاطبه في الصحافة

بلابد من الإيضاح في البداية أن المقصودَ بالصحافةِ المحلية الصحافةُ بنوعيها الورقي والإلكتروني بشكل عام، ولا أقصد أية صحيفة بعينها، والمقالة عن ظاهرة عامة ليس واردًا تحميلُ صحيفة ما أو أخرى مسئوليةِ نشوئها، كما أن الاسم «كومار» لا يشير إلى فردٍ واحدٍ بل إلى آلاف من حاملي نفس الإسم، وإلى من يحملون أسماء مختلفة متعددة من بني جلدته وجنسيته، ومن حاملي جنسيات أخرى من العمالة الوافدة أو الأجنبية حسب التفضيل الشخصي للتسمية، وفي بلدان أخرى يُسَمَّون «العمال الضيوف»؛ وأنا أميل إلى استخدام «العمالة الأجنبية».كومار هنا هو الواحد الذي يمثل الكل؛ وكتابتي هي عن هذا الكل من العمالة الأجنبية التي سُهِّل لها المجىء إلى هنا تحت وطأة وإلحاح الحاجة إلى خدماتها وخبراتها العملية والمهنية، وإلحاح حاجتها إلى طلب الرزق في بلاد غريبة وسط أناس غرباء؛ إذ لم تأتِ مهاجرة من أوطانها لتتخذ من هذا البلد وطناً دائماً بديلا عن الأوطان التي هجرتها مرغمة ومكرهة.إن جلد كومار أو العمالة الأجنبية في الصحافة المحلية فعل مستمر لا يلوح على الأفق نهاية له، سواء قريبة أم بعيدة. ويبدو أن جلدها سهل لا يحتاج إلى قدح زناد ذهن وبذل جهد كبير للقيام به، سواء حدث عبر مقالات يُحَبِّرُها بعض كُتّابُ الرأي أو تقارير وتحقيقات واستطلاعات تُعدها الصحافة ذاتها. والمقصود بالجلد إظهار العمالة الأجنبية في صورة «ألمافيا» أخطبوطية تمد أذرعها في كل الجهات، وفي كل الأمكنة كيما تستولي وتبسط «سيطرتها الاحتكارية» على الأعمال والمهن والحرف والتجارة والبقالات وتوزيع المواد الغذائية، ومحلات ومواد البناء والكهرباء، والبسطات والسطحات، وأسواق المواشي والأعلاف، واتهامها بخطف الأعمال ومصادر الرزق من أيدي المواطنين الذين يقفون بلا حول ولا قوة في مواجهة هذا الطوفان من هؤلاء الغرباء. إنني لا أكتب من موقف التأييد والدفاع عن العمالة الأجنبية، إنما لتسليط الضوء على ما أصبح، وعلى مدى سنوات عديدة، ظاهرة مستشرية، تُنْذِرُ بنشوء روح الكراهية والعداء تجاه العمالة الأجنبية، إن لم تكن قد نشأت واستقرت واستحكمت في النفوس وترسخت في الأذهان، ولعل استمرار هذا الجلد الصحفي الذي لا يني ولا يتوقف دليل واضح على نشوء وشيوع تلك الروح العدائية الزينوفوبية. ليس صعبًا على الإطلاق التأكد من الجلد المستمر الذي تتعرض له العمالة الأجنبية؛ فبمجرد أن يُدخل المرءُ في أي محرك بحث عبارةَ «العمالة الوافدة تحتكر....» تظهر أمامه صفحات عديدة من عناوين لمقالات واستطلاعات وتقارير تبدأ الغالبية العظمى منها بـ«العمالة الوافدة تحتكر....»، ويستطيع أن يُكْمِلَ العبارة بما يريد من أنواع المهن والحرف والتجارة. وكما أن العنوان لا يتغير في غالبية تلك المعالجات الصحفية، فإن صيغها وأشكالها متشابهة الى حد التطابق في أحايين كثيرة.في هذه المعالجات الصحفية المستنسخة في الغالب عن نموذج واحد، يقف العامل الأجنبي وحيدًا في موقف المسئول والمتهم، ذي المهارات والقدرات الخارقة على الإمساك غير القانوني وغير النظامي بمفاصل التجارة والتحكم في البيع والشراء في غير مجال من مجالاتها، والبارع بشكل منقطع النظير في صنع ومد شبكات الاحتكار، وفي التلاعب بالأسعار، ليبدو في ضوء هذه الصورة كأنه يعيش ويتصرف كيفما يشاء، ويفعل ما يريد بحسب ما تمليه عليه مصالحه في فضاء اجتماعي لا توجد فيه جهات رسمية تملك القدرة والصلاحيات على كبح جماح «نزعاته الأنانية الاحتكارية» وضبط عمله وتنظيمه وفق لوائح من الأنظمة والضوابط. وهو المتهم الغائب أو المُغَيَّب دائمًا عن المحاكم التي تقيمها الصحافة، فلا يُسمع له صوت سواء بالدفاع عن نفسه، أو حتى لِيُستدرج إلى كشف سر هذه القدرات غير العادية، والأسباب والعوامل التي تمكنه على نحو يثير التعجب من بسط سيطرته غير المحدودة على السوق بكل تنوع مجالات البيع والشراء فيه. كومار لا يستطيع تمثيل نفسه في محاكم الصحافة المحلية، ولا يتاح له أبداً أن يوكل من يمثله، فالصيغة الثابتة للمحاكمة هي أن يُغَيَّب، وأن يجلد في غيابه، فجلده هو الغاية، في معالجات صحفية لا تبدو جادة وحريصة على النفاذ الى عمق «ظاهرة احتكاراته»، بقدر حرصها على تكرار تأكيد وجود الظاهرة، وتثبيت التهمة عليه. وتتفادى أو حتى لا تفكر في سبر أغوارها لتعرية أسباب نشوئها واستمرارها، واتساع مداها.كومار لا يُعْطَى الفرصة للدفاع عن نفسه أو للكلام لأهمية كلامه، إذ قد يكشف «أسرار المهنة» ومنها العوامل التي تجعل «احتكاراته» أمرًا ممكنًا، ويعري من يتواطأ معه وييسر له تحقيق «غاياته الاحتكارية» من غير الأجانب. كومار هدف سهل للجلد الصحفي، وسيظل في زنزانة الصمت والتغييب من أجل أن يستمر الجلد!