عبدالعزيز المحبوب

الجوقاد الهندية.. المحن والفرص

واجهت الهند لسنوات عديدة صراعا اقتصاديا توالت على إثره التحديات تباعا بين مطرقة الزيادة المطردة في عدد السكان وسنديان شح الموارد؛ مما حدا بهم التفكير بطريقة مختلفة مبنية على فهم الواقع والتعامل معه بشكل منطقي إبداعي؛ للخروج من عنق هذه الأزمة دون الحاجة إلى المعونات الخارجية، والذي نتج عنه ابتكار منهجية باتت رائدة وسائدة في العالم أطلقوا عليها الجوقاد Jugaad. أصبحت الجوقاد الآن منهجية ممارسة لدى العديد من دول العالم كالصين وروسيا والبرازيل وغيرها من الدول وتنتهجها الكثير من الشركات، نظرا لمخرجاتها النوعية والناجحة التي حققتها الهند وساهمت في النهوض باقتصادها ليتبوأ مكانة قيادية ضمن أعلى الاقتصادات في العالم حاليا. ترتكز الجوقاد على إنجاز الكثير بالقليل وتخفيض التكاليف والنفقات وعمليات الشراء غير المبررة التي تمارسها العديد من المنظمات؛ نظرا للخلل في التخطيط وسوء الإدارة المالية والهدر المستمر في مواطن كثيرة، إذ يتم تطبيق الجوقاد عند نقص ومحدودية الموارد وزيادة المشكلات والتحديات الاقتصادية التي تواجهها المنظمات لتضع حلولا ابتكارية لها وتحقق التوازن الاقتصادي، حيث تسعى الجوقاد إلى البحث في الموارد الداخلية المتاحة وتنميتها والاستخدام الأمثل والمتعدد لها لأغراض مختلفة وتحويل المواد والأشياء التي لا قيمة لها إلى منتجات ذات قيمة عالية بتكلفة قليلة، بالاعتماد على الابتكار المقتصد والتقشفي. فقاموا على سبيل المثال بصناعة الثلاجة من الخزف لحفظ الفواكه والخضراوات واستخدام الدراجة في الحرث والري دون الحاجة إلى الكهرباء. كما أنتجت الهند أرخص سيارة في العالم «تاتا» وذلك في عام 2008م بالاعتماد على هذه المنهجية بقيمة بلغت 2000 دولار وأبهرت العالم بهذا الإنتاج. وهناك أمثلة أخرى على تطبيقات الجوقاد في العالم، منها البيرو، التي تعاني من شح الأمطار والتي قامت بنشر لوحات كبيرة تعمل على امتصاص الرطوبة من الهواء وتحويلها إلى ماء صالح للاستعمال للتصدي لهذه المشكلة بحلول جديدة قليلة التكلفة. كما أثارت هذه التجربة اهتمام جامعة كاليفورنيا الصحية وقامت بإنشاء مختبر عالمي للابتكار يعمل على وضع حلول للرعاية الصحية المقتصدة التي توفر على المنظمات التكلفة العالية للمعدات والأدوات الطبية خاصة في ظل وجود مجتمعات فقيرة لا يدعمها اقتصادها لتحمل تكاليف المستلزمات الطبية الثمينة، والتي هي من جهة أخرى مهمة للغاية في التعامل مع الحالات المرضية المختلفة. ولدينا تجربة محلية رائدة في شركة أرامكو السعودية، التي استثمرت موردا طبيعيا متوفرا ومتاحا وهي الشمس للتعامل مع ما هو باهظ الثمن ويشكل تحديا كبيرا وهي الطاقة من خلال وضع ألواح الخلايا الشمسية لتوفير الطاقة لمبنى «الميدرا» في الظهران بنسبة معينة وتستخدمها من جهة أخرى كمظلات لمواقف سيارات الموظفين والزوار. وتركز الجوقاد على الإصرار وخلق فرص النجاح من المحن والمرونة في التفكير بلا قيود أو حدود والبساطة في التنفيذ بعيدا عن متابعة الصيحات وعن التركيز على الرفاهية بشكل كبير؛ من أجل تقديم خدمات ومنتجات في متناول يد الجميع ومنهم الطبقة الوسطى والطبقة الكادحة. كما تسعى إلى نشر روح الشغف لدى العاملين في المنظمات وتنمي مهارات الابتكار والإبداع لديهم والنظر بشكل شمولي ومتناغم عند تصميم الحلول الجديدة. كما تعزز الجوقاد مبدأ المسؤولية الاجتماعية من خلال تطبيق ما يسمى بالإدارة الخضراء وتقتصد في استخدام الموارد المتوفرة؛ لكي لا يستهلك الجيل الحالي موارد الجيل القادم وبذلك تحقق الاستدامة.