د. خالد الحليبي

بوح البنات.. وتطوع الفتيات

متواكبا مع هدف طموح من أهداف رؤيتنا الوطنية (2030) بالوصول إلى (مليون متطوع)، احتفى برنامج بوح البنات الفضائي بستة عشر فريقا تطوعيا، تابعة لست عشرة جهة رسمية في بلادنا، من إحدى عشرة منطقة ومحافظة، لتشكل جزءا أصيلا من خارطة التطوع التي بدأت تتشكل على مساحة قارتنا السعودية، وتُوِّج الأوائل بجدارة، في مسابقة كشفت عن قدرات هائلة، ورغبات نبيلة، وحماسة منضبطة، وإبداعات مبهرة لدى بناتنا، تدفقن بعطاء لم يعرف الكلل ولا التراجع حتى نقطة الختام، حيث وُضعت نقطة بعد ثمانٍ وعشرين حملة توعوية في مجالات قيَميَّة وأخلاقية واجتماعية وصحية، مؤكدة الانتماء الراسخ لعقيدتنا الإسلامية، والحب الكبير لوطننا العظيم. لم تكن المسابقة سوى حافز دفع تلك المجموعات البناتية للخروج عن العادية في الطرح، والعمل العفوي، إلى الإبداع في التخطيط والتنفيذ، وتحقيق الأهداف العليا النبيلة لخدمة المجتمع، فيما يحتاج إليه. ستون جهة حكومية وقفت مساندة ذلك العطاء الثر، وعشرات الجهات الأهلية احتضنت ذلك الشغف الأنثوي المتسامي البناء، وعشرة ملايين متابعة ومتابع على أرض الواقع، وفي الواقع الافتراضي الذي وصل (الترند) عدة مرات، لم يحسب منها ملايين المتابعين والمتابعات على الشاشة الفضائية، جعلت تلك الفتاة وهي في خدرها تحوك حبها لنشر الخير والأمن والطُّمأنينة في وطنها الغالي، وفي مجتمعها المحلي برودا موشاة بالنور والجمال والجاذبية، عطف عليها أنظار بنات جنسها وأسماعهن، حتى أصبحن جزءا من العطاء. إن التعامل مع الفتاة يجب أن يتجاوز مجرد التوجيه وتوفير متطلبات الحياة العادية، إلى محاولة استثارة مكنوناتها العظيمة، واكتشاف مواطن الابتكارية لديها، ولن يكون ذلك إلا إذا تعاملنا معها على أسس علمية، تبدأ من احترامها في بيئتي المنزل والمدرسة أو الجامعة، وتوقُّع النجاح منها في كل ما تقوم به من عمل، ثم ربطها بقيم وأهداف تجعلها تسير على أرضٍ صُلبة إلى أهداف واضحة لا تدع فرصة لقُطَّاع الطريق أن يختطفوا بصرها إلى تفاهات وتُرهات وأكاذيب وانحرافات. لو بذلنا من الجهود في اتجاه إعلاء الإحساس لدى الفتاة بمكنوناتها الإبداعية، كتلك الجهود التي نبذلها في النصائح التي ملَّتها بسبب تَكرارها، واتجاهها إلى اتهامها بالعجز والكسل والعاطفة الجارفة إلى ما لا تحمد عقباه، وعدم تقديرها لطاقاتها، لو تركن كل ذلك وتوجهنا إلى النفخ في الجمر الملتهب لتفاجأنا من قوة المنتج، وجودة الأداء، وسعة النفع والفائدة، ولا استغنينا عن كثير من كتب التقويم الأخلاقي المباشرة، وتركنا إحساسا إيجابيا لدى الفتاة أنها أصبحت مصدرا منتجا موجِّها تحدث الفرق في مجتمعها، والتقدم في كل البيئات التي تتعامل معها، لا متلقية وحسب، تنتظر الأوامر والنواهي وتظل مقودة لا قائدة، وهي التي ينتظر منها المجتمع أن تربي ـ في محضنها ـ قادته. إن المؤسسات التي تواكب مراحل نمو الفتاة مدعوة كلها للتعامل مع هذا الكيان العظيم بما يستحقه من الاهتمام الخاص، الذي يستحقه، بدءا من الرحم الذي يتكون فيه باختيار الأم الصالحة، وليس فقط الزوجة الجميلة، ثم البيت الذي تطمئنُّ فيه وتأمن، وتتنامى فيه وتترعرع، فكلمة تسمعها فيه تضاعف قدراتها، وتشحذ طموحها، وتشد من أزرها، وكلمة قد تهدم شخصيتها، وتثبط عزيمتها، وتشعرها بالهوان. ثم المؤسسة التعليمية التي ينبغي أن تتجاوز حدود الواجبات المدرسية التعليمية البحتة إلى تطوير المهارات، وصقل الشخصيات، وإنماء الإحساس بالقوى التي تمتلكها، والتي عليها أن تساعد الفتاة على أن تكتشفها بنفسها، ثم تستثمرها فيما ينفعها وينفع مجتمعها ووطنها. إن الفراغ الذي تشعر به الفتاة وخاصة تلك التي لا تدرس ولا تعمل، لكونها تخرجت، هو سبب كثير من المشكلات النفسية وغير النفسية التي تعاني منها، وربما يعاني منها أهلها، وربما مجتمعها، ولذا فقد أصبح من الضروري جدا فتح أبواب الأندية البناتية في المجتمع بمواصفات تضمن سترها وتحفظ كرامتها، وتسعدها بكل ما تترقبه من ترفيه مباح، يتناسب مع احتياجاتها الأنثوية، في عمرها، وفي الوقت نفسه سوف تتنافس مع أخواتها لتقديم المشروعات الكبرى لتنمية المجتمع كله، وهو ما رأيته في منتجات الفرق التطوعية البناتية في مسابقة «بوح البنات» الكبرى.مثل هذه الأندية سيكون إضافة تتقدم بها الأحياء، حين يزداد الوعي الاجتماعي، والصحي، والاقتصادي، والشعور النبيل بالانتماء إلى وطن يستحق أن نحرسه بمقلنا، ولذا نحافظ على مدخراته وإمكانته وممتلكاته.