د. جاسم المطوع

حوار مع امرأة تشعر بالوحدة

قالت: أنا متزوجة ولكني أشعر بالوحدة، وعندي طفلان ومع هذا أشعر بالوحدة، وكذلك أنا امرأة عاملة وعندي التزامات اجتماعية وصديقات ومع هذا كله أشعر بالوحدة، فهل شعوري هذا صحيح أم خطأ؟ قلت: إن الشعور بالوحدة يحدث للإنسان من عدة أسباب، فقد تكون العلاقة الزوجية غير مستقرة أو بسبب غياب الزوج أو تحمل مسؤولية تربية الأبناء أو عندما تتخلى إحدى صديقاتك عنك أو عندما تشعرين بأنك شخص غير مرغوب فيه أو لا يوجد شخص يفهمك أو ليس لديك من يشاركك اهتمامك على الرغم من كثرة انشغالاتك. قالت: لقد وصفت لي حالي، فأنا على الرغم من كثرة انشغالاتي أشعر بالوحدة، وأريد أن أتخلص من هذا الشعور فهو يؤذيني، قلت: إن الشعور بالوحدة هو مشاعر داخلية في النفس، فقد يولد الطفل وحيدا وليس لديه شعور بالوحدة، وقد يكون الطفل لديه عشرة إخوة ولديه شعور بالوحدة، فليس بالضرورة أن يكون الزواج أو الأصدقاء علاجا للوحدة ولكنها تخفف من الشعور بالوحدة، وكلما كبر الإنسان بالعمر شعر بالوحدة أكثر حتى يقابل ربه وحيدا. ثم إن الشعور بالوحدة ليس شرا دائما، فالإنسان يحتاج بين فترة وأخرى أن يعيش وحيدا، ولو كان متزوجا ولديه أبناء وعنده التزامات كثيرة، فالوحدة تساعد الإنسان على التفكر والتأمل والتدبر، وهذه من العبادات المفقودة اليوم، فأهم القرارات الإستراتيجية بالحياة يتخذها الإنسان عندما يفكر لوحده، وقد كان رسولنا الكريم يحب الخلوة ويعتكف في شهر رمضان المبارك، فالشعور بالوحدة طبيعي عندما تكوني متميزة أو موهوبة أو مبدعة، أو عندما تحاولين إصلاح الخطأ في المجتمع أو توعية الناس وتذكيرهم بالخير الذي أمرنا به الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- فحينها ستشعرين بأنك وحيدة، وقد وصف رسولنا الكريم هذا الحال بقوله «بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء. قالوا: يا رسول الله من الغرباء؟ قال: الذين إذا فسد الناس صلحوا». ولو تأملت فإن أغلب الأنبياء مرت عليهم ظروف عاشوا بمشاعر الوحدة، فيونس مكث في بطن الحوت وحيدا، ويوسف ظل وحيدا في البئر وفي قصر العزيز، وموسى عاش غريبا وحيدا خارج بلده سنوات طويلة، ومحمد - صلى الله عليه وسلم- شعر بالوحدة في عام الحزن، وفي مواقف كثيرة، فالوحدة شعور طبيعي للإنسان فلا ينبغي أن يحزنك. أما الانطوائية والرهاب الاجتماعي كأن يخاف الإنسان من مواجهة الناس، فهذا مرض ينبغي علاجه، وأشد أنواع الوحدة ألما هي الوحدة العاطفية، وهي ألا تحبي أحدا أو لا يحبك أحد وهي أشد من الوحدة الجسدية التي تتحدثين عنها. قالت: شعرت بالراحة بعدما سمعت كلامك هذا، وأنا ظننت أني أعاني مشكلة الوحدة ولكنى اكتشف أن شعوري بالوحدة طبيعي بسبب تميزي ووجود طموح عال لدي، قلت لها: نعم شعورك صحيح وقد كان علماؤنا في بعض الأحيان يتعمدون الجلوس وحدهم من أجل التفكر والإنتاج الفكري وإنجاز عملهم الخاص، ولكن لا ينبغي للوحدة أن تكون على حساب إهمال حقوق الآخرين وواجباتهم، فقد وصف أحمد بن حنبل- رحمه الله- بأنه (كان أصبر الناس على الوحدة)، وقال عنه ابنه عبدالله: (لم يره إلا في المسجد أو حضور جنازة أو عيادة مريض وكان يكره المشي في الأسواق)، وقال ابن الجوزي (احذر معاشرة الجهال فإن الطبع لص)، ومع هذا كله فإن نبينا محمدا- صلى الله عليه وسلم- حث على المخالطة الإيجابية للناس فقال: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» لأن في مخالطة الناس من الإيذاء والنكد، ولكن المؤمن يحتسب ذلك لله وينوي في مخالطتهم تعليمهم وتوجيههم ونشر الخير بطريقة يقبلها الناس، قالت: الآن صار عندي وضوح رؤية في موضوع العزلة والاختلاط بالناس وصرت لا أرى نفسي معقدة أو غير أهلي وصديقاتي فشكرا لك والحمد لله أني لا أعاني وحدة عاطفية.