فهد السلمان

الإسعاف بين كماشة ساهر وضمائر السائقين

تداولتْ بعض وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا مقطع فيديو تبدو فيه سيارات الدفاع المدني عالقة، وهي تطلق صافراتها عند إحدى إشارات المرور، بسبب تردد أو رفض سائقي السيارات الأخرى التي تحول بينها وبين عبور التقاطع، قطع إشارة المرور الحمراء تفاديا لغرامات ساهر التي لم تعد مزحة بعد مضاعفتها بشكل كبير. كان المشهد دراميا بالفعل بين آليات الدفاع المدني التي تريد أن تستثمر كل ثانية لتصل إلى الحادث الذي خرجتْ من أجله، وسائقي السيارات الذين يعيشون تلك اللحظة كما أتصوّر أعنف أزمة ضمير، حيال رغبتهم في قطع الإشارة وإفساح المجال لرجال الدفاع المدني للعبور بمركباتهم لأداء واجبهم الإنساني، لإنقاذ أرواح الأبرياء، مقابل كاميرات ساهر التي لا تقيم أي وزن لمثل هذه المشاعر الإنسانية، والتي ستخطف بصر كل من يقطع الإشارة، قبل أن تفرغ محفظته، وقد تدخله السجن.وهذا المشهد مُرشّح لأن يتكرر عشرات بل آلاف المرات طالما أنه لا تتوافر في شوارعنا مسارات طوارئ، عدا عن أن معظم الشوارع والطرقات في بلادنا غير مهيأة أصلا لتخصيص هكذا مسارات، مما يعني أن هذا الوضع سيسهم بالتأكيد في تأخير وصول فرق الدفاع المدني والإسعاف والهلال الأحمر، والدوريات الأمنية إلى أهدافها، وقد يؤدي بالنتيجة إلى انعدام قيمة الإنقاذ بسبب التأخير. الإدارة العامة للمرور عالجتْ هذه المعضلة في المادة (8/54)، والتي تقول: «عند سماع مركبات الطوارئ والمواكب الرسمية، وكان السائق في ملتقى أو تقاطع الطرق، وجب عليه أن يبادر على الفور إلى إخلاء مكانه لتأخذ تلك المركبات طريقها دون أدنى إعاقة». فلو كان السائق يقف عند إشارة مرور ضوئية وجب عليه إفساح الطريق بشكل آمن لا يشكل خطرا عليه وعلى غيره من السائقين لمسافة تمكن مركبة الطوارئ من تجاوز التقاطع مع عدم اتباعها أو تجاوزها أثناء أداء المهمة، ولو أدّى هذا الإفساح لها إلى تصوير جهاز الرصد الآلي له فإن الجهة المشغلة للنظام تقوم بمراجعة ذلك قبل التسجيل، ولو سُجلتْ عليه مخالفة تجاوز الإشارة، فيحق له مراجعة هيئة الفصل في المخالفات المرورية في إدارة المرور بنفس مدينة تسجيل المخالفة، وطلب إلغائها، إذا ثبت تسجيلها بسبب إفساح الطريق لمركبة طوارئ تسير خلفه، «انتهتْ المادة وتفسيرها»، وهو حلّ غير موضوعي في تقديري بسبب أن الكثيرين ربما يقولون «ما لي ولوجع الرأس، وقطع الإشارة» والركض بعدئذ لمراجعة المرور لإثبات أن مخالفتي تمت بسبب إفساح الطريق، وهذا ما سيحدث في معظم الحالات تفاديا لغرامات ساهر وغرف التوقيف، لذلك وانسجاما مع الوضع القائم، سأعيد طرح اقتراح سبق وأن كتبت عنه منذ سنوات على اعتبار أنه الحلّ الوحيد المتاح لعبور سيارات الطوارئ التقاطعات دون إعاقة، وذلك بتخصيص المسار الأيمن من الطريق داخل المدن لسيارات الطوارئ، ولمن يريد الانعطاف إلى اليمين، وإلزام من يقف في هذا المسار بجوار الإشارة الضوئية بالانعطاف بعد التأكد من خلو الطريق من السيارات القادمة، في هذه الحال فقط سيصبح المسار الأيمن من الطرق سالكا أمام سيارات الطوارئ والدوريات الأمنية، ولن يُترك افساح الطريق للمهمات الإنسانية والأمنية لمزاج السائقين الآخرين أو خياراتهم.