كلمة اليوم

وماذا بعد سقوط حلب؟

التداعيات التي تركتها إدارة باراك أوباما على الثورة السورية، والتي ادّعتْ أنها تهتم في المقام الأول بمعالجة الإرهاب عبر تصنيف فصائل الثوار، هي ما سيحوّل ساحة الصراع في سوريا إلى أهمّ أوكار الإرهاب دوليا، خاصة بعدما جرّتْ أقدام الدب الروسي إلى كرمها في المنطقة، وجعلتْ منه إلى جانب إيران وميليشيات حزب الله والميليشيات العراقية المتطرفة الطرف الأهمّ في الصراع، حين سحبتْ أقدامها، وتنكرتْ للفصائل المعتدلة، وضيقتْ الخناق على دعمها لتترك الجمل بما حمل في عهدة الطيران الروسي الذي حاصر شرق حلب، وصبّ حمم قذائفه وصواريخه على رؤوس المدنيين قبل المقاتلين هناك، ليساومهم بالتالي على أرواحهم، فيما اكتفى وزير الخارجية الأمريكية جون كيري - ولحفظ ماء الوجه- بمناورات التفاوض المسرحية عديمة الجدوى مع نظيره الروسي. الآن، باتت الأمور في ظل هذا التخاذل عن نصرة الثورة السورية في غاية الوضوح، بعد أن أصبحتْ روسيا وإيران هما من يدير اللعبة هناك، وحتى إن احتفل هؤلاء مع نظام الأسد بالانتصار في حلب، فإن هذا لن يعني انتهاء القتال في سوريا، وها هي داعش تعود مجددا إلى تدمر لتأخذ نفس المكان الذي احتفلتْ فيه روسيا قبل فترة بتحريرها منها في ذلك الحفل الموسيقي الصاخب الذي قدّم أبشع صورة لانتهاك السيادة السورية من خلال توجيه الروس الدعوات للحفل الذي أقيم في الداخل السوري، بمعنى أننا سنكون أمام مشهد أكثر تمزقا وأكثر تفتيتا، وربما دفع الموقف الأمريكي والغربي الفصائل التي أخرجتْ من حلب إلى النأي بنفسها عمّن خذلها، واتخاذها مواقف أكثر تشددا، مما يعني إغلاق النافذة الوحيدة المتاحة للغرب للتدخل في القضية السورية، لأنه يخسر رهاناته مجانا بهذا التسليم للروس والإيرانيين.غير أن الأخطر في الأمر في حلب لن يتوقف عند إغلاق صفحة التأثير الغربي في مجريات الأمور، وإنما سيمتد إلى ما هو أبعد، وهو العبث الإيراني بديموغرافية المدينة، وهو ما أعلنه جنرالات الحرب الإيرانيون بلا مبالاة، مما سيقود إلى نوع من حرب العصابات التي ستستدعي كل ألوان الفوضى أكثر مما هو حاصل بالفعل، لتتشابك العقد أكثر فأكثر، وعندها لن يكون بوسع ديمستورا ولا غيره القدرة على قراءات هذه التشابكات المعقدة، والتي تزداد تعقيدا يوما بعد آخر، والتي إن كانت قد قتلتْ وشردتْ وهجّرتْ حتى الآن نصف الشعب السوري على مدى السنوات الخمس الفائتة، فإنها واتساقا مع هذه المنعطفات التي تتحمّل إدارة أوباما - التي ظلت تقدم رجلا وتعيد الأخرى- وزرها، ووزر ما ستؤول إليه، وما ستجلبه ليس لسوريا وحدها، وإنما للمنطقة برمتها من الفوضى وعدم الاستقرار، نتيجة إطلاق يد الإيرانيين تحت غطاء القوة الجوية الروسية للعبث في المكونات السورية، وإعادة ترتيبها وفق ولاءاتها لنظام طهران، وهذا ما سيفتح الباب أمام كل الشرور؛ لأن سقوط المدن وإن تمّ فإنه لن يسقط الحقوق، كما أنه لن يسقط القناعات والأفكار، وهذا ما لم يستوعبه الأمريكان، ولا حتى الروس الذين انشغلوا بإعادة تلميع صورتهم في معارك حلب كقوة عظمى عن الانتباه إلى مخاطر مآلات هذا الطغيان الذي تمارسه ثلاث دول وعشرات الميليشيات مقابل مجموعة من فصائل المعارضة التي تقاتل بسلاحها الشخصي حماية للمدنيين في حلب المكلومة.