بندر السفير

كيف نوظّف الأقارب؟

تصدّرت قضية توظيف الأقارب في الأيام الماضية عناوين بعض الصحف وتناقلتها بغزارة وسائل التواصل الاجتماعي حتى أصبحت قضية رأي عام والكل أدلى بدلوه في هذا الشأن وذلك بسبب وجود شبهات حول توظيف بعض مسؤولي الدولة رفيعي المستوى لأبنائهم في منشآت حكومية أو شبه حكومية، ولن أتطرق هنا لإثبات ذلك أو نفيه لأن هذا أمر منوط بالجهات ذات الاختصاص والتي لا تزال تبحث عن ذاتها إلى الآن، ولكن ما أود توضيحه هو معلومة قد تصدم الكثيرين وهو أن موضوع توظيف المسؤولين لأبنائهم هو أمر محدود نسبياً ويمثّل ومن وجهة نظر شخصية 20٪ إلى 40٪‏ فقط من المشكلة كون توظيف الأبناء يُعتبر أمراً واضحاً جلياً بسبب تطابق أسماء المسؤولين مع أبنائهم أو مع أقاربهم من الدرجة الأولى مما قد يتسبب في فضيحة لبعض المسؤولين والذين دائماً ما يترددون في اتبّاع هذا السلوك، وهو ما أعتبره بمثابة ورم حميد يسهل اكتشافه ويسهل استئصاله، بينما تكمن 40٪‏ إلى 60٪‏ الباقية في توظيف الأقارب من غير الأبناء أو ما يُسمّى بالأقارب من الدرجة الثانية وما دونها وهو ما أستطيع تسميته بالورم الخبيث الذي يصعب اكتشافه ويصعب استئصاله بسبب اختلاف الأسماء أو الألقاب، حيث لا يمكن بسهولة اكتشاف الموظفين من أقارب زوجة المسؤول مثلاً أو أرحامه وليس من السهل كذلك معرفة الموظفين من أبناء خالات المسؤول او أبناء عمّاته مثلاً إلخ، مما يجعل نسبة التمادي في توظيف هذه الفئة أكبر وبشكل خفيّ يغري كثيرا من المسؤولين وهذا أمر إن تأخرنا في إبادته فلن يكفينا لاحقاً حتى افتتاح مكتب للأحوال المدنية في كل منشأة لتحليل نَسب الموظفين ومعرفة مدى درجة قرابتهم بكل مسؤول، ونحن هنا نتحدث عن المنشآت الحكومية وشبه الحكومية، لأن منشآت القطاع الخاص باستثناء الشركات العائلية التقليدية لا ينتشر بها هذا الداء بمستويات مقلقة حتى هذه اللحظة.ولتحليل أمر كهذا أو وضع تصورات له دائماً ما أكرر أننا لا نحتاج إلى اجتهاد أو تأليف أو اختراع للعجلة من جديد، فهذا سلوك متعارف عليه حتى دولياً ومن السهل القضاء عليه متى ما أردنا ذلك. وأولى خطوات الحل تبدأ بإلزام جميع موظفي الدولة من كل الفئات والمستويات بتوقيع ما يعرف بنموذج «إفصاح» يُقرّ فيه الموظف ويوضح أسماء أقاربه من الموظفين من كل الدرجات الذين يعملون في المنشأة ذاتها إن وجدوا على أن يتحمل الموظف كامل المسؤولية والتبعات القانونية لذلك في حال إدلائه بمعلومات مغلوطة، حينئذٍ سنكتشف الكثير من المفاجآت وسنتمكن من مراقبة النزيهين منهم إن وجدوا ومحاربة الفاسدين منهم وهم كُثر. وثاني تلك الخطوات تكمن في إصدار تشريع يمنع توظيف الأقارب من الدرجة الأولى في نفس المنشأة بشكل قطعي وهذا ما هو معمول به دولياً إضافة لكثير من منشآت القطاع الخاص بالمملكة، لتتبقى خطوة ثالثة وهي التعامل مع الأقارب من الدرجة الثانية وما دونها، وفي هذه الحالة يجب وضع معايير ثابتة ومحددة للتوظيف تضمن العدالة والمساواة والإفصاح قبل أي شيء ومن خلالها يتقدم أي مرشح قريبا كان أم بعيدا ممن تنطبق عليه الشروط لأي مسابقة أو مقابلة وظيفية على ألّا يكون للمسؤول الصلاحية القصوى والكبرى لاعتماد التوظيف بل يجب أن تكون الإجراءات والسياسات الواضحة والعادلة كفيلة بتمكين من يستحق الوظيفة كما هو معمول به في بعض المناقصات ولا يمنع من أن تكون تلك الإجراءات إلكترونية للقضاء على تلك التجاوزات لنبتعد بذلك كل البعد عن مقولة «شد لي وأقطع لك».