د. سعيد أبو عالي

حول رؤية المملكة 2030

صدرت الرؤية تحمل محددات لأهداف نهضة المملكة في مجالات عدَّة أهمها (في نظري) التعليم والاقتصاد. رحَّب بها الناس ورأوها، ولا أزال أراها، طريقا جديدا رائدا لبلادنا. ونبَّه المسؤولون إلى ضرورة أن تتحول المناشط التعليمية والاقتصادية والاجتماعية لتخلق بيئة جديدة حاضنة للرؤية ومساراتها لكي تحقِّق أهدافها بإذن الله.. وهذا يعني أنَّنا نعيش الآن فترة (التحول الوطني) 2020.هلَّلتُ للرؤية ولا أزال فهي في نظري بداية (عملية) لما يمكن أن نسميِّه مستقبلا مشروع نهضة المملكة. والبداية العملية تجاوزت مرحلة التنظير وفي هذا جرأة محمودة ومحسوبة للقيادة. وقد ارتدت الرؤية لباس (التوقعات) وتعتمد على الإنسان والعلم والمال. والإنسان لا يبلغ الكمال ولكنه الوحيد الذي سوف ينفِّذ متطلبات الرؤية.. فهي أصلا صدرت من أجله وتعتمد عليه وإليه مردودها بإذن الله. والعلم هنا ليس مجالا خدميا يهيئ الناس لفهم الرؤية والشروع في تنفيذها فحسب، بل إنه (العلم) يهيئ الإنسان والبلاد لخوض مستويات ومجالات أعلى من أجل الحفاظ لهذه البلاد على أن تظل رائدة في مجال بناء الحضارة الإنسانية.أمَّا المال الذي سوف تعتمد عليه مراحل تنفيذ منطلقات الرؤية فهو (المال) أيضا مكان اختبار وامتحان صعب. رؤيتنا لا تعتمد النفط مصدرا وحيدا للثروة، ولكنها ستعمل على تنويع مصادر الثروة من خلال استنهاض مكنونات المبادرة الإنسانية لدى الفرد والمجتمع. وهذا الاستنهاض في (المبادرة الإنسانية) لا يتم إلا بإنسان متعلم، في مجتمع علمي (نسميه مجتمع المعرفة) وبهذا التلاحم بين الإنسان، والعلم والمال سوف تتوفَّر البيئة المناسبة لتحقيق أهداف رؤية 2030. ولعلَّ الاستطراد الذهني لديَّ أنساني الإشارة إلى السُّلطة (authority) أو السلطان.. وقد جاء في تراثنا المجيد أنَّ الله سبحانه وتعالى «يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». وفي وضعنا الراهن فإنَّ السلطة قد تماهت في رؤيتنا 2030 مع الإنسان والعلم والمال. ولنا أن نستذكر وبزهوّ ما حدَّده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يحفظه الله بأن هدفه الأول: «أن تكون بلادنا أنموذجا ناجحا ورائدا في العالم على كافة الأصعدة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك».والملك المحبوب لا يحدِّد الهدف فقط، ولكنه يعد مواطنيه بأنه سيعمل معهم (معكم) على تحقيق الهدف. وتأسيسا على ما تَقدَّم فإنَّ الخطة جاءت خلاقة ورائدة لأنها تعتمد على الإنسان والعلم والمال والسلطة. وبقدر ما تكون هذه العوامل أساسا للنجاح فإنها تشكِّل تحدِّيا ماثلا لعموم المواطنين في بلادنا العزيزة. والذي أراه من استعدادات وخطوات يبشِّر بأنَّ بلادنا تسير نحو مجتمع متغير لا يحلم بالتقدُّم فقط ولكن يعمل من أجل خلق ذلك التقدُّم والعيش به وفيه.إنَّ شعبنا العزيز حين يقف داعما ومساندا للرؤية فإنه ينطلق من مسارات تاريخية تؤيد هذا الموقف الراهن (موقف دعم ومساندة الرؤية). فقد وقف آباؤنا مع القائد الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله رحمة الأبرار- لإقامة وطن جديد يؤلِّف القلوب ويوحِّد البلاد ويصون الجار وينصر المظلوم. فقامت أول وأكبر وحدة مستقلة في البلاد العربية منذ سقوط الدولة العباسية وبما يشبه المعجزة انطلقت بلادنا تسعى إلى نشر رفاه الإنسان، وتحقيق العدل ضمن منظومة الدول السَّاعية للتقدم والحرية. فكانت عضوا مؤسِسا لمنظمة الأمم المتحدة وكذلك هي بالنسبة للجامعة العربية. ورفرف علَمُها خفَّاقا يحمل كلمة التوحيد. وهكذا ولأكثر من ثمانين عاما مضت وبلادنا تبني مجتمعا متقدما بقيادة ملوكها الذين يحملون ميراث القائد المؤسِّس. وها نحن الآن نسير تحت راية الحزم والعزم التي أقامها الملك سلمان نصره الله وأيَّده. ومن أولوياتها تحقيق العدل والمساواة؛ وخدمة الحرمين الشريفين وبمتابعة من سمو الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد ومهندس الأمن الوطني الوارف أيَّده الله. إنَّ مسيرة شعبنا على طريق العلم والبحث العلمي تؤسّس للمعجزة التي قامت على أرض الجزيرة فقد عمَّ التعليم في الهجر والبوادي والقرى قبل المدن.. ولذلك فإنَّ خطتنا 2030 تتطلب مزيدا من الجامعات، وإقامة مراكز البحث العلمي إلى جانب مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وجامعة الملك عبدالله. إنَّنا بحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة وبلادنا -والحمد لله- مخزن نابض بالبدائل. شمس ساطعة، ومعادن وفيرة، وأرض تنادينا (مَن يزرعني). نحتاج إلى نهضة صناعية جديدة ومتجدِّدة تُنتِج دواءنا، وملابسنا، ووسائل تنقلاتنا، وتُنتِج أسلحتنا التي ندافع بها عن حدودنا وأمننا وأعراضنا ونخدم وديعة الله لدينا وهي (الحَرَمَان الشريفان).والمال الذي يهمنا هنا هو ما يستطيع به الوطن تحقيق الرؤية وتسهيل مسيرتها.. ونحن المواطنين على استعداد (1) لترشيد مصروفاتنا و(2) للحفاظ على سلامة الممتلكات العامة (طرق، حدائق، مشافٍ، موانئ بحرية وجوية، مدارس، معاهد، كليات، جامعات) و(3) لمكافحة الهدر في منازلنا وفي أماكن مسؤولية كل فرد فينا حيثما كان موقعه وهو يخدم الوطن و(4) التزام الأمانة في الأداء أنَّى كان موقع كل منَّا و(5) التَّمسُّك بالدين مع إخلاص الولاء والفداء لقيادتنا الحكيمة ولوطننا العزيز. إنَّنا يجب أن نقدِّر كل عمل صالح من أجل الوطن.. وما وطننا إلا حضن والحمد لله لمقدسات المسلمين. ويجب علينا التَّحلي بروح الأخوَّة بين جميع المواطنين.وأودُّ أن أختم مقالتي هذه بالتنويه والإشارة إلى عرّاب الرؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وفَّقه الله فقد حرَّك بها عقولا واعية، ووحَّد المواطنين حول هدف مشترك يخدم الدين والمليك والوطن.وانطلاقا من أملي وآمال الكثيرين في سموِّه فإني أطلب منه التدخُّل شخصيا لمراجعة أساليب العمل الإداري في جميع أجهزة الدولة، وذلك للقضاء على الروتين وتفعيل الإجراءات لتواكب سرعة العصر، ومتطلَّبات الرؤية.وفَّق الله قادتنا.. ونصر بلادنا.. وأدام علينا الأمن ورسَّخ فينا الإيمان.