فهد السلمان

العرب بين ما مضى وما سيأتي

كل الوطن العربي من الماء إلى الماء تحت طائلة التهديدات، منه ما يعيشها فعلا على هيئة استيلاء شبه كامل على السيادة، ومنه ما يتعايش معها كل يوم على هيئة مخاطر قائمة، وخلافات، وأوضاع قابلة للانفجار بين لحظة وأخرى، ومنه ما يترقبها على حدوده كنذر شر مستطير، بمعنى أنه لا يوجد بلد عربي واحد بمنأى عن تلك المخاطر، أو أنه كامل التحصين بحيث تتحطم على تخوم حدوده كل الأطماع. كانت فلسطين يوما ما هي أيقونة الهم العربي الأوحد، ولا حاكم عربي يستطيع أن يستمد أو يستكمل شرعيته أمام شعبه على الأقل إلا من خلالها، لأن الشعوب في الأساس تأخذ من هذه القضية شكل هويتها، وعنوان نضالها وصمودها وتطلعاتها، أما الآن فلا تزال القضية في مكانها كما كانت، أو ربما ازدادت تعقيدا، وما كان يمكن أن يُقال عنها فيما مضى لم يعد صالحا للاستخدام في هذا الوقت بعد أن أنجز الخذلان وتشظي المواقف، وحالة النكوص.. الكثير من (فلسطينات) النسخ المكررة، وإن لم تكن هنالك إلا إسرائيل واحدة، لأن الفرقة التي كسرت مهابة الأمة، أتاحت الفرصة لكل عصابات القرن أن تعبث بمصيرها، وتهدد عروبتها، وقد تفتت أراضيها، ولا يُستبعد إن بقي الحال على ما هو عليه أن يتعجم لسانها، أو يتجانف حتى للغته التي هي آخر ما يجمع شتاته من سواحل مسقط إلى شواطئ طنجة. كان عام (1979م) عاما مثقلا بالأحداث الجسام التي غيرت وجه العالم برمته، لكنها جرفت تربة الشرق الأوسط أيديلوجيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا، وهيأته إلى أن يكون الشرق الأوسط الجديد، استولى الخميني بثورته على إيران، وتم التوقيع على معاهدة كامب دايفيد التي مزقت الأمة، ووصلت السيدة الحديدية مارغريت تاتشر للسلطة في بريطانيا، والتي قادت ما يسمى بنظرية الأسواق المفتوحة، واقتحم جهيمان الحرم الشريف، الذي أسس لفكر الصحوة، وبعد أقل من شهر غزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان، ليؤسس لولادة الجماعات الإرهابية، ما دفع الأمريكان لإيصال المحافظ رونالد ريغان إلى البيت الأبيض لإعلان المواجهة السياسية والعسكرية مع الاتحاد السوفييتي، والذي أسس بدوره للأحادية القطبية، ووصل صدام حسين للسلطة في بغداد، وبدأ يو دنج تشاوبنغ نهضة الصين الحديثة، وولدت شركة مايكروسوفت التي ستؤسس لاحقا لعصر انفجار المعلومات، كل هذا وغيره من الأحداث الكبرى، لم تفلح في أن تلفت نظر الأمة، أو تحتل عنايتها لتقرأ تلك الأحداث وانعكاساتها المحتملة على مستقبلها الذي تتخبط فيه اليوم، فقط انصب الاهتمام على شتم السادات بدعوى خيانة القضية، ومتابعة استيلاء القوات التانزانية على العاصمة الأوغندية كمبالا، وهروب عيدي أمين. كانت هنالك في ذلك العام جملة من الثيران البيض تم ذبحها في مسلخ الأحداث بين ظهرانينا وعلى غير اتجاه القبلة، وكانت دماؤها تسيل من تحت أقدامنا دون أن يتنبه أو يتنبأ أحد أنها ستفضي بنا بالنتيجة إلى هذه المصائر المضروبة، ومع هذا كان العرب يلتقون ويجتمعون وإن لم يفعلوا شيئا إلا أنهم يتحادثون، لكنهم اليوم وبعدما وقع الفأس في منتصف الرأس لم يعد بوسعهم حتى أن يردوا على بعضهم السلام.