كلمة اليوم

الغرب وإيران.. الشبهات ومعركة الموصل

يبدو أن منطق السياسة الدولية الراهن لم يعد يعترف إلا بأولئك الذين لا يقيمون أي وزن للعهود والمواثيق الدولية، أولئك الذين يوقعون بيد ويخرقون باليد الأخرى ما وقعوا عليه، هذا ما يتضح من خلال تلك العلاقة المازوشية بين الولايات المتحدة وإيران. إيران التي احتضنتها أمريكا ودعتْ الغرب كله لاحتضانها، ورفع الحصار عنها، وإعادتها للحظيرة الدولية كطفل مدلل، بل وصمتتْ عن كل تجاوزاتها للأمن الإقليمي، وعبثها في مكوناته بأقذع الأدوات المذهبية، وشطبتْ كل تلك الملفات السوداء التي كانت تحتفظ بها لها، وكأنها تريد أن تغسل خطاياها لتضمها إليها كحليف موثوق، غير أن إيران التي لا تزال تؤمن بأن انحياز الغرب لها إنما جاء استجابة لجبروتها وقوتها، وضرورتها كشرطي إقليمي، وليس لحسابات اقتصادية، مازالت تصرّ على التمادي في غيّها عبر محاولة بسط نفوذها على كافة المنافذ البحرية في المنطقة، ودعم كل من يدين لها بالطاعة تحت غطاء المقاومة، إلى الدرجة التي تحرشتْ فيها عصاباتها بالقطع الأمريكية، مما دفع وزير الخارجية الأمريكي للإعراب عن قلقه من تدخلات إيران في سوريا واليمن، وإمكانية تأثير ذلك على تطبيق بنود الاتفاق النووي، لينبري له المرشد مؤكدا على أن نظامه لن يتخلى عن دعم ما سماه المقاومة، وهو العنوان الفضفاض الذي يسمح لإيران بالتدخل في كل قضايا المنطقة دون أن يعني شيئا بالنسبة لإسرائيل التي يُفترض أن تتجه لها المقاومة، والتي تغمس معها حكومة الملالي خبزهما المشترك في طبق من السمن والعسل، وهذا ما دفع عراقجي مساعد الخارجية الإيراني للقول إن قضايا سوريا واليمن لا علاقة لها بالاتفاق المبرم مع الدول الست !!. وهنا لابد أن نتساءل: من الذي يملي شروطه على الآخر؟، وما طبيعة ذلك الملف المشبوه الذي يخوّل لإيران التغوّل في قضايا الأمة العربية بهذه الصورة، ويدفع من يزعم أنه الطرف المنتصر لغض الطرف عن تلك الحماقات الإيرانية؟. وبما أننا الآن إزاء أكثر الملفات تعقيدا، وهو ملف الموصل، والحشد الشعبي الذي تدعمه طهران يُقدّم نفسه كرأس حربة للقوات المعنية بطرد داعش، فما الذي يُراد للموصل بعد تطهيرها من ميليشيات الدولة الإسلامية، خاصة بعد التجارب المريرة لذلك الحشد الطائفي في عدد من البلدات العراقية في إقليم صلاح الدين؟، هل ستستمر القوى الغربية في السكوت عن حماقات إيران وسعيها الدؤوب لتغيير ديموغرافية المنطقة بما يضمن لها إقامة المزيد من كانتونات الولاء لها، لاستعمالها كمسمار جحا متى دعتْ إليها الحاجة؟، أم انها ستعيد قراءة تاريخ الصراع بين العرب والفرس، وستلتفت إلى ما يتم الترتيب له تحت غطاء محاربة داعش، لتعمل على درء الشبهات بتحييد الإيرانيين وأحقادهم الصفوية عن الدخول إلى الموصل، لصبّ الزيت على النار الطائفية المستعرة بفضل سياسات حكومات الولي الفقيه، واستقطاباتها المذهبية؟. إننا نعتقد أنه على العالم الذي رحّب بطهران التي تطلق القذائف على قطعه البحرية، وهي في حضنه، أن يتنبه إلى أنه إنما يحتضن حيّة ماكرة، وأن المملكة لم تبتعد عنها إلا بعدما تجرّعتْ سمها الزعاف، فهل يعي ذلك من لا يرى فيها سوى الغاز والنفط والسجاد والفستق.