شمسة البلوشي

ناصر المسيند.. وداعا

الشيخ ناصر المسيند «أبو عبدالرحمن» هكذا عرفته المنطقة الشرقية اسماً ولقباً وكنيةً، دخل اسمه في جميع بيوت الشرقية ودخل مكتبه معظم آباء وأعوان ووجهاء المنطقة، لم يكن المدير الأول لتعليم البنات بالمنطقة ولكنك لو ذهبت تسأل من عاصروه سيقولون لك: إنه أول مدير تعليم للبنات عرفناه. كان «أباً للجميع» عمل مع «أخ الجميع» الأستاذ صالح التويجري، ومنهما تعلمنا الكثير الكثير من مبادئ علم الإدارة في وقتٍ لم تكن المكتبات تزخر بكتب علوم وفن الإدارة، ولم يكن كتاب «حياةٌ في الإدارة» للراحل غازي القصيبي يرحمه الله قد انتشر في الأسواق بعد! الشيخ ناصر المسيند وافته المنية في يوم الأحد الموافق 15/‏‏1/‏‏1438هجرية ودفن بالدرعية، وانتقل إلى الدار الآخرة بعد أن ترك وراءه إرثاً من سيرةٍ عطرةٍ سواءً أكان في ميدان التربية والتعليم بالمنطقة الشرقية أم في الرياض التي استقر فيها بعد تقاعده. صفاته ومزاياه ومحاسنه كثيرة، ولكن يكفي أن تصفه بالأبوة عندها تجتمع فيه الحكمة والحنان الأبوي دون تفريط في قوانين العمل، وعندما تذكر الشيخ ناصر فلا بد أن تذكر معه رفيق دربه وصباه وساعده الأيمن ومساعده الإداري الأستاذ صالح التويجري، فقد حرصا كل الحرص على وحدة الصف في تعليم الشرقية وعلى رأب أي صدع يمكن أن يلامس جدرانها، كان همهما الأكبر: التعليم ثم التعليم ثم التعليم، ويكتمل الثلاثي بالساعد الثاني الأستاذ عبدالعزيز المغلوث - يرحمه الله - فقد كانوا المثلث الذي حوى التعليم بهذه المنطقة العزيزة على قلوبنا «الساحل الشرقي»، ويلحق بالركب التعليمي الكثير الكثير من القيادات التربوية التي عرفتهم المنطقة الشرقية من رؤساء أقسام ومديرات إشراف ومسئولات يضيق المقام بذكرهم، كانوا هم البارزين في التعليم، ويعود الفضل بعد الله - عزَّ وجل - لهم في تطور المنطقة ولعل من أبرز هذه القيادات الأستاذ /‏‏ صالح الغفيلي والأستاذة خولة الربيعة والأستاذة فوزية المهيزعي. الذكريات عن الشيخ ناصر كثيرة، وسيبقى التاريخ التعليمي يحكي عنه قصص الوفاء والصبر والكفاح، لقد صارت الشرقية في مسيرته العملية من أهم ثلاث مناطق تعليمية في المملكة بعد الرياض والمنطقة الغربية، بل وصارت فيما بعد منافساً شريفاً قوياً في حصد أكبر وأهم المشاريع التربوية والإنجازات التعليمية. كان يرحمه الله يهتم كثيراً بإنتاج المدارس من خلال معارض الأنشطة المدرسية فيدعو لها أمير المنطقة الشرقية والرئيس العام لتعليم البنات بالرياض ووجهاء وأعيان المنطقة ومسئولي الإدارات الحكومية ومن هم في جهات الاختصاص، كان أحد هذه المعارض بمناسبة استلام أول المشاريع الاستثمارية المنفذة من قبل مؤسسة الراجحي وذلك في يوم الاثنين الموافق 3/‏‏11/‏‏1415هجرية في مبنى المدرسة الابتدائية السادسة عشرة بالدمام، تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف نائب أمير المنطقة الشرقية - آنذاك - يحفظه الله ويرعاه وبحضور الرئيس العام لتعليم البنات د. عبدالملك بن دهيش، يرحمه الله. أما ذكرياتي عن الشيخ ناصر فقد عرفتُه كمدير تعليم منذ أن كنتُ «كاتبة» في مكتب التفتيش النسوي (الإشراف التربوي حالياً)، عرف قدراتي الإدارية فوثق بي وبعملي وفتح لي المجال لأكون من القيادات التربوية بإدارة التعليم ثم بالمنطقة ولله الحمد والفضل، ولعلي أكتفي بذكر بعضها: الموقف الأول: حضوره وتشريفه لحفل زواج ابنتي برفقة الأستاذ صالح التويجري، وهنا تبرز صورة رائعة مشرقة في علاقة الرئيس بمن حوله، فعندما يُشارك الرئيس مرؤوسيه أفراحهم فهذا يعني أنه يهديك ما أنت بأمس الحاجة إليه في هذه اللحظة من الفرحة والبهجة والتقدير ولا شك أن هذا كله تحقق بحضورهما. الموقف الثاني: كلماته التي أرسلها بخط يده بمناسبة تقاعدي وقد أدرجتها في كتابي (وغداً يومٌ آخر) عنونها (بارك الله في عطائك يا شمس)، أذكر جزءاً منها: مما لا شك فيه أن الإخلاص في العمل الصالح مع التأهيل العلمي والعقلية الناضجة واتخاذ الوسائل المفيدة لنمو القدرات والاطلاع على المكتسبات العلمية والثقافية والحضارية وما يدور في محيط المجتمع والتمسك بالثوابت الدينية، كلها تمكن الإنسان من تطوير ذاته، وبالتالي يستطيع أن يحقق الكثير من الانجازات الصعبة لخدمة المجتمع في مجالات متعددة، وهذا ما يدعوني إلى تقديم الشكر إلى السيدة شمسة البلوشي، حيث حققت الكثير من طموحاتها وبالتالي استطاعت أن تؤدي رسالتها على أفضل وجه بعد أن كافحت وذاقت مر الحياة لتحقيق أهدافها، فحظيت بثقة رئيساتها ومرؤوساتها وبثقة مدير التعليم، فأُسند لها رئاسة العديد من اللجان، كما حظيت بثقة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية، فتولت رئاسة اللجنة النسائية لجائزة التفوق العلمي، فهنيئاً لشمسة بما حققته من نجاح ولانتمائها لأسرة تعليمية. رحمك الله يا أبا عبدالرحمن رحمةً واسعةً، الحديث عنك يطول ويطول، ستبقى في تاريخ التعليم «شخصيةً لا تُنسى».وقفة تأمل: لماذا تأتي كتاباتنا بعد الرحيل؟ ألا يستحقون أن يقرأوا بعضاً من حكاياتهم؟!