د. مبارك الخالدي

بيت الشّابي وبيت بالدوين

في شهر واحد، شهر سبتمبر الذي لم يمض على انقضائه سوى أيام قليلة، قرأت خبرين عن بيتين لأديبين مشهورين: أحدهما بيت الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي (1909- 1934)، والآخر بيت الروائي والمسرحي الامريكي الأسود جيمس بالدوين (1987-1924). ولكل بيت قصة تختلف عن قصة الآخر، وسيظهر الاختلاف بينهما في سياق الكلام. «يقول» الخبر الأول إن بيت أبي القاسم الشابي هُدم وُسوي بالأرض، وقد أكد الهدم بشكل قاطع «والي توزر» منير الحامدي. ولم يبق منه ما يذكِّر بأن قائل (إذا الشعب يوماً أراد الحياة) عاش في ذلك المكان. ولكن حدث الهدم ذاته سيظل يُذكِّر التوانسة والعرب والعالم بأن وزارة الثقافة التونسية حنثت بوعدها بشراء بيت الشابي وترميمه وتحويله الى متحف. وكما هو مألوف ومتوقع من أية وزارة في المنطقة العربية في هذه الحالة ومثيلاتها، لم تتأخر وزارة الثقافة التونسية في التنصل من المسئولية، ملقيةً بها على ورثة الشّابي، الذين لم يتأخروا بدورهم أيضاً في رمي الكرة في مرمى الوزارة، موضحين أنهم أقدموا على هدم البيت بعد أن يئسوا من مبادرة الوزارة الى الوفاء بوعدها شراء البيت وتحويله إلى متحف.أثار هدم بيت الشابي غضب المثقفين التوانسة، وحمّلوا وزارة الثقافة المسئولية، بيد أنه غضب أتى متأخراً جداً، بعد «خراب مالطة»، أو بالأحرى «بعد خراب بيت الشابي»، ليثبوا أنهم جزءاً لا يتجزأ مما يسميهم البعض بـ(الظاهرة الصوتية).أما بيت جيمس بالدوين، فمصيره أفضل من مصير نظيره التونسي، مع أنه، أي بيت بالدوين، في بلد غير بلده، في منفى بالدوين الاختياري فرنسا، التي عاش فيها منذ مغادرته وطنه الولايات المتحده في العام (1948)؛ وفي هذا البيت قضى السبع عشرة سنة الأخيرة من حياته.بيت بالدوين لن يهدم، وسيصبح بيتاً للمبدعين والفنانين تحقيقاً لأمنية مالكه الأول. لن يهدم بيت بالدوين لأن وزارة الثقافة في فرنسا التي استقبلته واحتضنته في حياته، لن تخذله في مماته، ولن يخذله الأدباء والمثقفون في البلدين، الذين أسسوا منظمة فرانكو-أمريكية أطلقوا عليها الإسم (His Place in Provence) بعد أن ذاع خبر عزم مالكه الحالي على هدمه من أجل بناء 18 وحدة سكنية في موقعه وعلى الارض المحيطة به التي تبلغ مساحتها عشرة أفدنة. وقد بدأت المنظمة التي يترأسها البروفسور هنري لوي غيتس حملة تبرعات لجمع (11.2 مليون دولار) في الأشهر الأولى من العام 2017م، لشراء البيت وترميمه وإحياء حديقته، وفتحه في النهاية للمبدعين والفنانين. تلك كانت أمنية بالدوين كما ذكرت سابقاً، ستتضافر لتحقيقها جهود غيتس وباقي النشطاء في المنظمة ووزارة الثقافة الفرنسية وأهالي سان مدينة «سان بول دي فينس» الذين يشعرون بالفخر لأن بالدوين اختار أن يعيش بينهم، وفي مدينتهم.بيتان. بيت لشاعر أطلق عليه أهله لقب «شاعر الثورة»، لكنهم لم يثوروا، ولم يهبوا الى إنقاذ بيته، كما تقاعست الوزارة التي وعدت بالحفاظ عليه وتحويله الى متحف؛ وبيت لأديب مهاجر غريب في بلاد غريبة- رفض حتى فكرة استبدال جنسيته بجنسيتها- هبّ الناس فيها الى انقاذ بيته من الهدم، ليبقى تذكارا ًومعلماً من معالم المدينة.