نوه سميث

العجز التجاري يصبح مستحقا يوما ما

قال الخبير الاقتصادي ديفيد أوتور من معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا في مقابلة أجريت معه مؤخرا على نشرة إيكون توك: إن العجز التجاري يمثل قرضا يجب أن يتم تسديده. هذه مسألة مهمة، لأن الولايات المتحدة تعاني الآن عجزا تجاريا كبيرا مستمرا منذ عدة عقود.كنت سعيدا لسماع شخص ما يتحدث عن هذه الحقيقة، التي نادرا ما يتم الاعتراف بها. ولكن لم يكن الجميع مسرورا. عندما كررتُ بيان أوتور، قال دان اكنسون، مدير مركز هربرت ستيفل لدراسات السياسات التجارية بمعهد كيتو، إنني لا أفهم كيفية عمل التجارة، وأن العجز التجاري ليس بقرض. اكنسون على خطأ، وهذا يوفر فرصة هامة لشرح كيفية عمل العجز التجاري.لنفترض أن هناك بلدين، ألمانيا والولايات المتحدة، ولنفترض أنه في أحد الأيام الجيدة، ألمانيا قدمت للولايات المتحدة سيارة. لكن ألمانيا لا تدير جمعية خيرية، ولا تتجول في الأنحاء بهدف تقديم السيارات للناس بدون مقابل - يجب على الولايات المتحدة أن تقدم شيئا في المقابل. إذا حصلت الولايات المتحدة على السيارة من ألمانيا مجانا، فإن هذا يكون من باب المساعدات، وليس من باب التجارة.إذن ما الذي سوف تقدمه الولايات المتحدة لألمانيا عوضا عن ذلك؟ يمكن أن ترسل سلعة أو خدمة حقيقية صالحة للاستعمال - عددا من أكياس الذرة، ربما، أو بعض نسخ برنامج ويندوز 10. إذا قدمت الولايات المتحدة ذُرة وبرمجيات مساوية لقيمة السيارة، هذا يسمى تجارة متوازنة.بدلا من ذلك، إذا كان لا يبدو أن الولايات المتحدة تزرع أي ذرة أو تكتب أي برمجيات اليوم، فإنه يمكنها أن تكتب لألمانيا سندا بالدين. يمكن للولايات المتحدة أن تسدد ثمن السيارة ليس بالذُّرة أو البرمجيات، ولكن بالدفع المباشر بالدولار. يمكن للألمان بعد ذلك استخدام هذه الدولارات لشراء بعض الأصول المالية الأمريكية على المدى الطويل، مثل سندات الخزانة الأمريكية أو بعض أسهم شركة أبل. في هذه الحالة، نقول إن الولايات المتحدة تعاني عجزا تجاريا مع ألمانيا، لأنها حصلت على شيء له قيمة حقيقية من ألمانيا (سيارة)، في حين أن كل ما حصلت عليه ألمانيا في المقابل كان قصاصة من الورق.ولكن في مرحلة ما، سوف ترغب ألمانيا في استبدال قصاصة الورق هذه بشيء ذي قيمة حقيقية - شيء يمكن لشخص ألماني استخدامه والتمتع به. أيا كان الشخص الذي يستحوذ في ألمانيا على هذه الأصول المالية الأمريكية لا يمكنه استخدامها داخل بلده - ألمانيا تستخدم اليورو، وليس الدولار! يمكن لهذا الشخص أن يبيع الأصول بقيمة الدولار إلى ألماني آخر مقابل موجودات مقومة باليورو، ولكن هذا فقط يؤخر الموضوع - في مرحلة ما، شخص ما سوف يقرر استخدام الأصول المقومة بالدولار للحصول على شيء حقيقي، قيمة قابلة للاستخدام. أين تُنفَق هذه الدولارات؟ في الولايات المتحدة.عند هذه النقطة، سوف يبيع هذا الشخص الألماني أصوله المقومة بالدولار مقابل مبلغ نقدي بالدولار، وسيستخدم هذا المبلغ لشراء بعض السلع أو الخدمات الحقيقية من الولايات المتحدة. عند هذه المرحلة، سوف تشغل الولايات المتحدة فائضا تجاريا، وسوف تشغل ألمانيا عجزا تجاريا. سوف ترجح الكفتان. سوف تحصل الولايات المتحدة على قصاصة الورق، وسوف تستقبل ألمانيا بعض العناصر التي لها قيمة حقيقية في المقابل.يوضح هذا المثال لماذا العجز التجاري يعتبر قرضا من السلع والخدمات الحقيقية. البلد التي يشغل فائضا تجاريا يتخلى عن القيمة - القيام بعمل حقيقي، باستخدام الوقت والموارد الحقيقية - مقابل وعود ورقية فقط. في مرحلة ما في المستقبل، سوف يرغب البلد التي يمتلك الآن تلك الوعود الورقية بالحصول على شيء له قيمة حقيقية في المقابل، وفي ذلك الوقت سوف يكون قادرا على الحصول على تلك الأشياء دون أي جهد أو إنفاق للموارد.الآن، هناك عدة طرق يمكن من خلالها لأي واحد من الشركاء التجاريين أن ينتهي به المطاف بالحصول على قيمة أكثر مما يحصل عليه الشريك الآخر.الطريقة الأولى هي الإعسار. الأصل المالي الذي يجري حيازته من قبل شخص في ألمانيا يمكن أن يصبح عديم القيمة قبل أن يتم استبداله بشيء حقيقي. الحكومة الأمريكية تستطيع أن تختار التخلف عن سداد الالتزامات المترتبة على سنداتها السيادية، ما يؤدي إلى انهيار في قيمة سندات الخزانة. أو يمكن لأبل أن تصاب بالإفلاس، وبالتالي تنخفض قيمة أسهمها إلى الصفر. إذا حدث هذا، لا أحد في ألمانيا سيكون قادرا على استرداد كامل قيمة السيارة التي أعطيت إلى الولايات المتحدة. وسوف تحصل الولايات المتحدة على شيء مقابل القليل أو لا شيء (على الرغم من أن الإعسار ربما ينتهي به المطاف بإلإضرار بالاقتصاد الأمريكي).والطريقة الثانية هي التضخم، وهو ما يمثل إعسارا جزئيا. التضخم الأمريكي قد يرتفع، وهذا يعني أن الدولار سوف يشتري أشياء حقيقية أقل مما كان يستطيع في السابق. (إذا كنتَ تشتري هاتفا جوالا بمبلغ 100 دولار، فإنه بعد ارتفاع التضخم فإن مبلغ المائة دولار لن يعود كافيا لشراء نفس الهاتف الجوال الآن). في هذه الحالة، الألماني الذي يقتني أحد الأصول المالية الأمريكية، والذي كان ينتظر أن يجري عملية شراء، تعرَّض لضربة من سوء الحظ.الطريقة الثالثة هي عن طريق التلاعب بسعر الصرف. من خلال تقنيات معقدة مثل ضوابط رأس المال والتعقيم (أي قيام البنك المركزي بشراء الأصول المالية بهدف امتصاص السيولة من السوق)، فمن الممكن لبلد ما مبادلة سلع وخدمات في مقابل سلع وخدمات ذات قيمة أقل. لنفترض أن مواطني القطاع الخاص الألمان، لسبب ما، سوف يطلبون أصولا مالية أمريكية بقيمة 5000 كيس من الذرة في مقابل سيارة فولكس واجن. لكن الحكومة الألمانية - التي ترغب في تعزيز صناعة السيارات لديها من خلال تشجيع حجم الإنتاج الأعلى - قررت جعلهم يقايضون السيارة مقابل موجودات مالية قيمتها 3000 كيس من الذرة فقط. في هذه الحالة، سوف تحصل ألمانيا على ما هو أقل من القيمة العادلة لسيارتها. هذا يشبه ما يعتقد كثير من الناس أن الصين كانت تقوم به مع الولايات المتحدة في العقد الأول من القرن الحالي.بالتالي العجز التجاري بالتأكيد هو عبارة عن قرض، ولكن هذا القرض لا يجب دائما أن يتم تسديده بالكامل، وشروط القرض يمكن أن تكون في بعض الأحيان مواتية للمقترض على حساب المُقرِض.ومع ذلك، فإن معظم ما نحصل عليه من العجز التجاري يجب أن يتم تسديده في يوم من الأيام. في حكم المؤكد أن الولايات المتحدة لن تتخلف عن سداد سنداتها السيادية؟ يمكن أن يرتفع التضخم، لكن هذا لن يقضي إلا على جزء من المبلغ المستدان. الناس في البلدان الأخرى يقتنون الكثير من الأصول المالية الأمريكية، وإذا قرروا استرداد قيمتها، عندها في تلك اللحظة سوف يتعين على البلد أن يعطي الناس السلع والخدمات التي تكلف الأمريكيين وقتهم وعرقهم وجهدهم ومواردهم. في الوقت الحاضر ربما يظن الأمريكيون أنهم يحصلون على أشياء بالمجان من خلال تشغيل عجز تجاري. لكن هذه الأشياء ليست بالمجان. يوما ما سيتعين علينا - أو بشكل أدق على أطفالنا - أن يعطوا أشياء بالمقابل.