فهد الخالدي

أطفالنا والسكري

لا يكاد مجلس يخلو من الحديث عن مرض السكري، إذ يندر أن يلتئم جمع لا يكون الكثيرون من الحضور مصابين بهذا المرض الذي غدا أكثر شيوعا لأسباب كثيرة بعضها وراثي وبعضها ذو صلة بعاداتنا الغذائية وعدم ممارستنا الرياضة خاصة المشي وقلة أو انعدام الجهد الحركي في حياتنا اليومية وفي أداء أعمال الأكثر منا.في المقابل كان خبر إصابة أحد معارفنا أو زملاء العمل بمرض السكر خبرا مفاجئا لأننا قلما نسمع مثل هذا الخبر الذي أصبح اليوم ويكاد لا يخلو منه مجلس كما أسلفت بسبب اعتماد الناس في الماضي على المشي في تحركاتهم، وكذلك عاداتهم الغذائية التي لم تكن تعتمد على المواد المعلبة والمحفوظة والمجمدة والمهرمنة إلى آخر الأوصاف التي تتصف بها المواد الغذائية التي نتناولها هذه الأيام، ونسيت أن أضيف المشروبات الغازية والوجبات السريعة وغيرها مما تطول القائمة لو أردنا عدها وإحصاءها. ومن اللافت للنظر في هذه الأيام ليس تزايد أعداد المصابين بالسكري خاصة النوع الثاني، لكن الزيادة في أعداد الأطفال المصابين بهذا الداء.. في حين كانت إصابة طفل بهذا المرض فيما مضى أمرا يبعث على الدهشة. صحيح أن العوامل الوراثية قد تكون أحد أسباب إصابة الأطفال بهذا المرض كما يقول أطباء الاختصاص، لكن أنماط التغذية والسمنة والالتهابات البكتيرية والفيروسية هي أيضا عوامل مهمة في إصابة الأطفال بهذا المرض. ومن أسباب خطورة هذا المرض بالنسبة للأطفال هو أن مضاعفاته لديهم تظهر في أكثر الأحيان بعد فترة طويلة من إصابتهم به ما يؤخر اكتشافه، حيث تمتد من 5-10 سنوات عندما يبدأ ظهور هذه المضاعفات على النظر والكلى وربما الأعصاب أيضا. ومن جوانب الخطورة أيضا أن الأطفال الذين يصابون بهذا المرض مبكرا تتوافر لديهم الأسباب التي تؤدي في الغالب إلى الفشل الكلوي الكامل، وكذلك أمراض العيون التي ربما تكون آثارها أكثر حدة منها عند البالغين. قد يكون الأطباء وأطباء العيون والجهات الطبية وغيرهم هم الأحق بالحديث عن مضاعفات المرض وأخطاره، لكن ما يهمنا نحن كمربين سواء كنا آباء أو معلمين هو القيام بما يمكننا القيام به من الإجراءات التي تساعد الأطباء في مواجهة المرض وفي مقدمتها العادات الغذائية لأطفالنا سواء من حيث المواد الغذائية والمشروبات والحلويات أو من ناحية النشاط الحركي للأطفال بدءا من توفير الوجبات الغذائية الصحية في المنزل وفي المقصف المدرسي وعدم المبالغة في تقديم الحلويات والنشويات والمرطبات، ثم تشجيعهم على الحركة والنشاط وممارسة الرياضة ليس من خلال حصة التربية البدنية في المدارس فقط، بل في أوقات الإجازات وعطلة نهاية الأسبوع وانتهاز كل فرصة متاحة لمزاولة هذا النشاط إلى جانب تعويدهم على أداء بعض الأعمال التي تتناسب مع قدراتهم وأعمارهم ويؤدون من خلالها نشاطا حركيا يحتاج لاستهلاك السعرات الحرارية الزائدة التي قد تنتج عن تناول الطعام. الأهم من ذلك لماذا لا يكون هناك منهج مقرر للثقافة الصحية بما في ذلك التغذية والعادات الصحية السليمة يُدرّس في المدارس ويعمق هذه الثقافة؟ ولماذا لا تمنع المقاصف المدرسية منعا باتا من بيع المرطبات ويتم استبدالها بالألبان والحليب والعصائر الطازجة؟ قد لا يكون سهلا على الوالد أو الوالدة أن يمنع ولده من تناول قطعة حلوى إضافية يشتهيها كما أنه قد لا يكون سهلا عليه أن يمنعه من الحصول على وجبة سريعة في السيارة أو في الطريق، وكذلك علبة ثانية من المرطبات بعد فترة وجيزة من تناوله التي قبلها لأن ذلك صعب عاطفيا على الأب أو الأم التي تود أن تلبي كل ما يطلبه فلذات الأكباد، لكن علينا أن نتذكر عندما يلح ابننا على ذلك أننا ربما نشجعه بهذا العمل على أن يتحول تناوله لهذه الحلوى أو الوجبة السريعة إلى عادة لا فكاك منها، خاصة إذا اضطررنا لمجاراتهم، كما أن علينا أن نتذكر دائما ما يمكن أن تؤدي إليه هذه العادة - لا سمح الله - من عواقب وخيمة.. صحيح أننا لا نستطيع تغيير ما كتبه الله، لكنه اتخاذ الأسباب.. اتخاذ الأسباب وكفى، حتى لو لم تكن النتيجة إلا تأخير الإصابة بهذا المرض فقط.