د. فالح العجمي

الشمس الساطعة وأختها الكاوية

تعرف كثير من المجتمعات جموع السياح القادمين من شمال الكرة الأرضية، الذين يبحثون عن الشواطئ الدافئة ذات الشمس الساطعة، خاصة أولئك القادمين من روسيا وبلدان البلطيق وبريطانيا وشمال أوروبا. وربما يستغرب عدد كبير ممن يعيشون بقرب تلك الشواطئ تلك الرغبة الجامحة لدى مثل هؤلاء السياح، للاضطجاع تحت أشعة الشمس لأطول مدة ممكنة، مستحضرين الكريمات اللازمة والسوائل الضرورية لبقاء الجسم رطباً طوال تلك الفترة، إضافة إلى أدوات التسلية من مجلات أو كتب للقراءة، أو أجهزة هاتفية أو لوحية للتصفح خلال تحويل لون البشرة إلى اللون البرونزي أو البني الداكن لدى بعضهم. فالشمس من الناحية الكيميائية يشكل الهيدروجين ثلاثة أرباع مكونات كتلتها، أما البقية فهي في معظمها هيليوم، كما تتضمن من العناصر الأثقل، الأكسجين والكربون والنيون والحديد وعناصر أخرى. وهي ذات بريق يفوق ما يصل إلى 85% من نجوم مجرة درب التبانة. كما يبلغ متوسط مسافة الشمس عن الأرض حوالي 149,6 مليون كيلومتر، ويعتقد أن هذه المسافة تتغير بتحرك الأرض من الأوج إلى الحضيض. وينتقل الضوء عند هذه المسافة المتوسطة خلال 8 دقائق وتسع ثوانٍ، كما تؤمن الأشعة الضوئية الشمسية المنتقلة إلى الأرض الحياة عليها من خلال تأمين عملية التمثيل الضوئي، إضافة إلى تأمين مناخ وسطح الأرض. وقد عرفت آثار الشمس على الأرض في عصر ما قبل التاريخ، واعتبرت الشمس في كثير من الثقافات من الآلهة. وإلى مطلع القرن التاسع عشر لم يكن العلماء يفهمون كثيراً من المعارف عن الشمس، أو حول التكوين المادي للشمس، ومصدر طاقتها المستمر. وما زالت بعض المعارف بهذا الشأن تكتسب مع تطور العلوم واستحداث المزيد من آليات الدراسة. لكن المهم في هذه المقالة ليس خواصها الفيزيائية من طبيعة الهالة، ومكونات الحقل المغناطيسي، والتركيب الكيمائي، بل اختلاف تعلق البشر بها من ثقافة إلى أخرى، ومن منطقة إلى غيرها. فخلال محادثة أجريتها مع أحد أولئك السياح على أحد شواطئ الفندق الذي نزلنا فيه، كان الحوار ذا خلفيات مختلفة لدى كل منا، فمحادثي كان يبحث عن التعرض المباشر للشمس، بينما كنت أسعى للبقاء تحت المظلة التي تقيني لهب الشمس المباشر، حيث لدينا من اللون البرونزي ما يكفي. وغالباً نحن نتطلع إلى هبوب نسيم معتدل من الجهة البحرية، لتكون رطوبة الماء مختلطة مع اعتدال الجو في الظل. مما يجعل الاستراحة بين فترات السباحة مسلية ومنعشة. وبعد أن انتهى حوارنا العابر مع صاحب المقعد المجاور، التفت إلى صاحبي، وقلت له: معهم الحق في البحث عن أشعة شمس تغير ذلك اللون الباهت في بشرتهم، إضافة إلى كونهم يتمنون خروج الشمس في أيام كثيرة. فقال لي صاحبي: وهل يصح أن نسمي شمسهم بنفس الاسم الذي نطلقه على الشمس الحارقة، التي تظهر في سمائنا؟ وبعد تأمل في فكرته، قلت: نعم، هي عندهم أشبه بمصدر للإضاءة، لكنها لطيفة الأثر، وغالباً تحجبها غيوم مصاحبة، أو رشات مطر في عدد غير قليل من أيام السنة؛ لذلك فالأولى أن يصبح اسمها «سمس» بالسين في الأول والآخر، لما لصوت السين من تنفيس على ما يقوله قدماء دارسي العربية. وفي المناطق الاستوائية، التي تكون درجات الحرارة فيها تتراوح في حدود الثلاثين درجة مئوية، يمكننا أن نطلق عليها «شمس» (بالشين في الأول والسين في الآخر). أما في مناطقنا، التي تتصف بأنها كاوية، ومصحوبة بجفاف شديد، فلعلنا نطلق عليها «شمش» (بالشين في الأول والآخر)، لما لصوت الشين من سمة التفشي.