علي البلوي

الابتزاز والازدواجية وجهة بعض المؤسسات الدولية

ظلت الازدواجية صفة مرافقة للعديد من المؤسسات الدولية، وجاءت هذه الازدواجية، نتيجة صراعات القوى، وحجم الضغوط والمصالح الدولية، واتسمت بعض منها باعتبارها واجهات لمؤسسات أمنية واستخباراتية، فلم تعد الإنسانية محركا لهذه المؤسسات، بل تحركها المصالح والمنافع، وأحيانا تشترك في مؤامرات على الدول والمجتمعات.في كتابها «من الذي دفع للزمار؟ الحرب الباردة الثقافية» تكشف فرانسيس ستونور سوندرز كيف تسهم المؤسسات الاستخبارية في اختراق المؤسسات الثقافية والاعلامية والفنية، وفي صناعتها وصناعة توجهاتها، وبالتالي تزوير المضامين الثقافية والسياسية لهذه المجتمعات وحرفها عن جادة التطور والنضج الحقيقي، لا بل أحيانا تحقن هذه الثقافات بمانع التطور، والعقم والشلل، وسحبها باتجاهات محلية ضيقة، يحول دون تمكنها من رؤية المشارف الاستراتيجية.وفي كتابه «اعترافات قرصان اقتصادي.. الاغتيال الاقتصادي للامم» يوضح جون بيركنز جوانب مخفية ومخيفة لاعمال سيطرة الشركات الكبرى، وبناء امبراطوريات السيطرة العالمية «Corporatocracy» فيشير إلى أنه وزملاءه دفعوا الاكوادور نحو الافلاس، وخلال ثلاثة عقود ارتفع حد الفقر 50% الى 70% من السكان وازدادت نسبة البطالة الى 70% وارتفع الدين العام من 250 مليونا الى 16 مليار دولار، واصبحت الاكوادور تخصص 50% من ميزانيتها لسداد ديونها، ولشراء ديونها باعت الاكوادور غاباتها الى شركات النفط الامريكية، حيث مخزون النفط، واليوم فإن لكل 100 دولار من النفط الخام، تحصل امريكا على 75 دولارا مقابل 25 دولارا للاكوادور، تذهب منها 75% لسداد الديون الخارجية والمصروفات الحكومية وللدفاع، ويبقى 2.5% للصحة والتعليم وبرامج دعم الفقراء.ولان الامم المتحدة وهيئاتها ومؤسساتها، هي تعبير عن إرادة صراع القوى العالمية، فقد ذكرت وزيرة الخارجية الامريكية السابقة مادلين اولبرايت، وبشكل فج وواضح لامين عام الامم المتحدة، أن عليه ان يراعي مصالح الدول، وان يتذكر ان 60% من راتبه تدفعه امريكا، كما علينا ان نتذكر ايضا ما أورده الدكتور سالم الجميلي مسؤول سابق في المخابرات العراقية، أن إحدى الدول اشارت اليهم بأن مسؤولي الامم المتحدة، باستطاعتهم تغيير شهاداتهم، اذا ما استطاع العراق، تقديم الاموال لهم، او تقديم تنازلات للشركات الكبرى في هذه الدول.ولم يتوقف الامر على هذا الشأن فقط، فقد روى أحد مسؤولي الامم المتحدة سابقا، أن ايران رشت مسؤولين في المنظمة الدولية، وقدمت لهم دعما بالملايين أثناء حربها على العراق، لتعديل التقارير الدولية، وبما يفيد بأن العراق من بدأ الحرب، لا بل انها دفعت الملايين، لتجاوز استخداماتها غير المشروعة للغازات السامة، فيما يعرف بجريمة الانفال بحق الفيليين الاكراد، التي اتهم بها العراق زورا وبهتانا، فتحولت الحقيقة من ايران الى العراق، وهي العقوبة التي اعدم بسببها شكلا صدام حسين.إن العديد من المنظمات والهيئات الدولية، تعمل على تكريس الاتهامات للدول بحيث تبقى تحت طائلة المسؤولية، ويمكن ابتزازها، وتطبيق القانون الدولي عليها، بذرائع واهية وشتى، وان هذه الهيئات للاسف فاقدة لاستقلاليتها، ولإرادتها، وهي رهينة سيطرة هذه الدول عليها، ففي سنوات الحصار على العراق والتي دامت 13 عاما، لم تكن المنظمة الدولية سوى اطار شرعي لعمل الاستخبارات الامريكية، فيما كانت الاستخبارات الالمانية تعمل في اطار الدروع البشرية، اما غيرها فكان يعمل في اطار المنظمات الانسانية التي تتباكى على اوضاع العراقيين تلك الفترة، لا بل انها تستقرئ ملامح القوة المستقبلية، لتكون اداة تمرير الاتصالات والتفاهمات مع المعارضة، وقراءة معالم قوة الدولة وضعفها. ان الازدواجية الغربية، امر واضح، فعندما كانت تركيا تقدم التنازلات لاجل دخول الاتحاد الاوروبي، كانت الشروط على تركيا كثيرة وكبيرة، فيما يتعلق بالجانب المدني، والحريات، والقوانين والتشريعات، وعندما نفذت تركيا العديد من مطالب الاتحاد الاوروبي، صدرت أصوات أوروبية مناهضة لدخول تركيا تحت بند المحافظة على الهوية المسيحية لأوروبا، مما اضطر اردوغان حينها لأن يصف الاتحاد الاوروبي بأنه ناد مسيحي مغلق، بينما لم تحرك الدول الغربية ساكنا فترة الانقلاب الفاشل، لم تدن الاعتداء على الديمقراطية، لم تدعم الحكومة المنتخبة، بل انتظرت ريثما ينجح الانقلاب، وبدأت البحث عن أدوات ابتزاز جديدة كمجازر الصرب والارمن، واتهام بلال أردوغان بغسل الأموال.إن المملكة تتعرض للابتزاز ايضا، فهذه الدول تتخوف وترتهب من أي تحرك يعبر عن الإرادة السياسية، ويعبر عن استقلالية القرار السياسي، وهي على استعداد لصناعة محيطات من الدم والقتل والجثث إن تعرض النمط المعيشي لمواطنيها للتغير باتجاهات سلبية، هذه الدول ليس لديها ما يمنع من دعم الثورات والاحتجاجات والانقلابات والحروب، وهي تصدر تقارير تدين بعض الدول بارتكاب جرائم ضد الانسانية وضد الطفولة، لكنها تنسى أو تتناسى ماضيها بكامل سلبياته.إن من يقرأ كيف تعمل بعض شركات الادوية والمختبرات لتصنيع الفيروسات والامراض، وكيف تحارب كل اختراع يجد حلا للامراض المستعصية، فتشتريه بمئات الملايين، وتبعده عن أن يرى النور، تتأكد لديه هذه الازدواجية.. والمؤسف أن مهنة الطب أيضا تراجعت في هذا المضمار، حيث أصبح الطبيب أشبه ما يكون مسوقا لشركات الأدوية، يمنح خصومات ويقدم إغراءات، ويحرف مسار الكلمات، ليجعل صنفا معينا من الادوية هو خيارك الوحيد، وبعضهم يقدم لك الدواء بالكيلو لأن ذلك يكتب في سيرة أعماله، ولأنه يتحصل على بونص معين من شركات الادوية.نحن في المملكة نتوقف أمام ازدواجية التقارير الدولية ذات العلاقة باليمن، فالحرب في سوريا بالغازات الكيماوية وبالنابالم، خارج التغطية، لأن الهدف والغرض السياسي مختلف، ولأن الابادة مطلب سري وعلني، ولأن القتلى والجرحى والمشردين ليسوا أوروبيين وغربيين مثلهم، بل هم حقول تجارب للسلاح الروسي والامريكي، ودون نتيجة حقيقية في الحرب على الارهاب، لدرجة ان الارهاب أصبح بورصة وتجارة وأداة للتدخل في شؤون الآخرين، وهل يعقل ان يعتقل الشرق أوسطي على سحنته أو لحيته.إحدى النوادر تشير الى أن هذه الدول مصابة بعقدة وفوبيا المركزية على حساب الاطراف، وبعقدة الرجل الابيض، التي طاردتها في مستعمراتها سابقا، وتطاردها اليوم، كلما وجدت رغبة لدى الشعوب بممارسة إرادتها وذاتها المستقلة، فهي لا تقر بتطور المجتمعات السياسي والثقافي ووعيهم، وترى أن هذه الشعوب يجب أن تبقى في كنف التخلف كي تسرق ثرواتها، وعندما تعي هذه الشعوب مخاطر دور هذه الدول، فإنها تتباكى على الشعوب وتدعوها للمطالبة بالحقوق الديمقراطية والسياسية.إن المنظمات الدولية لم تستطع أن تنظر الى مأساة مسلمي ميانمار، حينما كانوا يذبحون كالخراف ويحرقون كالنفايات، لم تحركهم إنسانيتهم، ولا القانون الدولي، لم يشجبوا هذه الافعال، لم يزدروها لم يضعوا ميانمار على الفصل السابع، ولم يهددوها بالمقاطعة والحصار.ان العالم وهو يشهد حالة من الانحرافات، وحالة من الفوضى، فإنه ايضا يعيش حالة مخاض لولادة تعددية قطبية، ولكنها ولادة عسيرة ومريرة، وقد يكون لأوجاعها، رفسة هنا وهناك، وانقلاب هناك وتدخلات على اكثر من صعيد، وعاش القانون الدولي وعاشت الديمقراطية على الطريقة العالمية.