كلمة اليوم

قمة نواكشوط وترمومتر التحديات

يبدو أن القمم العربية ومنذ تأسيس جامعة الدول العربية 1945م، كُتب عليها أن تكون قمم التحديات حيث ظل ترمومتر التوترات على أشده منذ ذلك التاريخ، فكل قمة من القمم الـ (33) التي عُقدت حتى الآن، إلى جانب القمم الـ (9) الطارئة، كل واحدة منها استحقت لقب قمة التحديات، لأن مشاكل الأمة تتفاقم وتتكاثر للأسف يوما بعد آخر، حتى لم يعد جدول الأعمال يتسع لمناقشتها كلها دفعة واحدة، وذلك لعدة أسباب يطول شرحها، لكن يأتي في مقدمتها بالتأكيد ضعف نظام جامعة الدول العربية، وفشل الدول الأعضاء في التوصل إلى اتفاق لتعديل آلياته بما يضمن فعالية القمم، وإيجابية قراراتها، ولعل القمة الأخيرة التي كان من المقرر أن يستضيفها المغرب لكنه اعتذر في فبراير الماضي بذريعة أن الأوضاع في العراق واليمن وسوريا وفلسطين تزداد تعقيدا بسبب كثرة المناورات والأجندات الدولية والإقليمية، وتواصل الاستيطان الإسرائيلي، وأنه تبعا لذلك لا يمكن عقد اجتماع جديد لقادة الدول العربية، والاكتفاء منه مرة أخرى بالتشخيص المرير لواقع الانقسامات والخلافات دون تقديم إجابات جماعية حازمة لمواجهة هذا الوضع، وفق ما جاء في بيان الخارجية المغربية التي رأت أنه لا ينبغي عقد القمة للقمة فقط، وأن تصبح مجرد مناسبة للاجتماع ليس أكثر. وهنالك كثيرون يتفقون مع وجهة النظر المغربية، ما لم تعالج القمة آلياتها أولا، لتكون بالتالي مؤهلة لعلاج قضايا الأمة المتشابكة، والتي أصبحت تزداد استعصاء بمرور الأيام نتيجة مراوحتها مكانها، واختلاف وجهات نظر أعضاء القمة حولها. الرئيس الموريتاني أحمد ولد عبدالعزيز الذي استضافت بلاده قمة هذا العام في هذا الجو المشحون، والذي أصر على عقد القمة حتى (ولو تحت الخيام) حسب تعبيره، وهو ما حدث في قمة نواكشوط حيث تم نصب خيمة كبيرة لاحتواء اجتماعات القمة، حيث لم يُسعف الوقت في إعداد وتجهيز مقر رسمي لها، ربما انطلق في إصراره على أن اجتماع القادة وممثلي الأمة سيكون أجدى من التأجيل بذريعة انتفاء الجدوى على أمل أن تفضي تلك اللقاءات إلى أي بصيص يمكن البناء عليه، لكن رغم كل هذه التناقضات في المواقف إلا أن الملاحظ أن القمة لا تزال تضع عناوين رئيسية لها كالتدخل الإيراني السافر في دول المنطقة، والعمل الإرهابي، دون أي إشارة إلى سبب غياب عدد كبير من القيادات، وتواضع تمثيل بعض الوفود، مما يفقد القمة قدرتها على التصدي لمثل هذه العناوين الكبيرة، ودون الإشارة ولو بطرف خفي، أو تخصيص بند يفتح ذلك الملف المثقل بالغبار في خزائن الجامعة العربية، والذي يستدعي إعادة النظر في ميثاقها وفي آلياتها وأنظمتها، خاصة والأمة تمر بمثل هذه المراحل التي تهدد كياناتها بالتمزيق والاحتلال والعبث الديموغرافي، وهو السؤال الذي يجب أن يحمله أمينها العام إلى كافة القادة العرب، خاصة وأن هنالك سابقة في بحث هذا الموضوع الحيوي، كانت المملكة من أوائل من نادى بمناقشته ضمانا لفعالية أداء بيت العرب في إعلاء كلمة الأمة، والدفاع عن قضاياها، حتى تصبح مواعيد قممنا العربية أعز أماني الشعوب التي تنتظر منها وحدة الصف والموقف.