د. فالح العجمي

الألقاب بين الإعجاب والدعاية

اللقب، كما هو معروف، نوع من التعريف يضاف إلى أسماء الناس أو البلدان أو الأشياء ذات العلاقة المهمة بمن يطلق عليها ذلك اللقب. لكن عملية إطلاقه على الناس أو الأماكن والأزمنة والكائنات الأخرى والأشياء في حالات متعددة تتجاوز هذه الوظيفة التعريفية إلى تقويم جوانب العلاقة بين الإنسان وبقية البشر أو الكائنات، التي يرى لها وضعاً خاصاً، والممتلكات أو العوامل المحيطة به. هذا في الفلسفة العامة لنشأة الألقاب، أو تطوراتها لدى البشر، فماذا عنها في بيئاتنا المحلية، وفي حياتنا اليومية التي نعايشها؟ هل توجد أطر عامة في مجتمعنا لاتخاذ الألقاب بين الناس، أو منهم لما يعيشون فيه من مكان أو زمان، أو لأشيائهم المحببة إليهم، أو البغيضة عندهم؟ في الواقع أنه لا توجد محددات لأي من هذه الاستخدامات، بل هي في مجملها تخضع لعشوائية تنشئها الثقافة في بيئات المجتمع المختلفة، ويقرها أفراد النخب في كل مجال من مجالات الحياة. وهو ما يجعل بعض حالاتها في بيئة معينة غير مستخدم، أو حتى غير مفهوم في بيئة مهنية أو اجتماعية أو عمرية أخرى، لتفاوت تلك المحددات، التي دعت إلى استخدامه فيها. وربما تزداد وتيرة التباين والفردية في إطلاق الألقاب بدرجة أكبر في الأوساط الفنية على وجه الخصوص؛ ففي أحد البرامج الفنية، لفت نظري استعراض مقدمته الدعاية المخصصة لمتابعة حلقاته القادمة، بكونها تطلق على كل فنان ممن ستستضيفهم، أو سيشاركون في برنامجها بأي صورة، لقباً خاصاً به وكأنه معروف به بين الناس. فمن هؤلاء ذكرت «موسيقار الخليج» (رابح صقر)، و«أمير الطرب» (عبدالمجيد عبدالله)، و«ملكة الإحساس» (أليسا)، وربما ورد ذكر غيرهم في معرض تلك الدعاية. لكن السؤال الأهم: من أعطى هؤلاء - على سبيل المثال - هذه الألقاب؟ هل هي اجتهادات فردية في كل برنامج، أو أي وسيلة إعلامية، لجذب عدد كبير من الناس إلى ذلك البرنامج أو تلك الحفلة بإطلاق ألقاب توحي بالعظمة في مجال من مجالات الفن؟ حاولت أن أعرف ما الذي يمكن أن يتميز به رابح صقر بين موسيقيي الخليج، ليكون اللقب من حقه على إطلاقه، وأن أقارن بينه وبين بعض مجايليه، ورفقاء المهنة في التأليف الموسيقي أو الغناء. فإذا كان هذا اللقب من حق شخص مثله، فماذا يكون من حق فنان بحجم وريادة طارق عبد الحكيم أو طلال مداح على سبيل المثال؟ وما الذي يمكن أن يجعل فناناً معاصراً مثل عبادي الجوهر، أو من فناني الكويت: عبد الكريم عبد القادر، أو عبد الله الرويشد، أقل من رابح صقر أحقية في حيازة اللقب؟ كما حاولت أن أصل إلى سبب منطقي يدعو مقدمة البرنامج، أن تطلق لقب «أمير الطرب» على عبدالمجيد عبدالله. وهنا المشكلة أيضاً أكبر من الأولى؛ إذ كان اللقب شاملاً إمارة الطرب (العربي على أقل تقدير، إذ لم يتحدد في الخليج)، فهل يعني هذا تفوقه على هاني شاكر أو عاصي الحلاني أو وائل كفوري في مجال الطرب؟ أما في اللقب الثالث، الذي خصت به أليسا (ملكة الإحساس)، فهو انطباعي بحت؛ إذ يمكن أن يطلق المرء على من يعجبه في إثارة إحساسه «ملك الإحساس» أو «فنان الأحاسيس»، وغير ذلك من الألقاب المماثلة. وما أظن وائل كفوري - على سبيل المثال - ذا الأغاني الرومانسية الشاعرية، أو ماجد المهندس ذا الصوت الرخيم، بأقل منها في تعبيرهما عن الأحاسيس في الكلمات المغناة. إنها الاعتباطية في إطلاق الألقاب!