مشاري العفالق

ماذا بعد «ربيع» التواصل الاجتماعي؟

قبل أن تهدأ عاصفة ما عرف بالربيع العربي، شهد العالم ثورة أكاديمية لفهم ومواكبة ما حل بالمنطقة العربية عام 2011م وما سبقه من تحولات على صعيد التفاعل الاجتماعي الرقمي، وكان السؤال: هل تحول الجيل الجديد (آنذاك) من شبكة الإنترنت (WEB2) والتي تم التوافق على تسميتها لاحقا بالإعلام الاجتماعي (Social Media) إلى ثورة حقيقة؟.صحيح أن شبكات الإعلام الاجتماعي سبقت هذا التاريخ بعشرة أعوام تقريبا إلا أن عصرها الذهبي كما يرى غالبية الباحثين في مجال استراتيجيات الإعلام الاجتماعي، بدأ مع مرحلة الاستقطاب التي أفرزت الربيع العربي.ما يعنيني في هذا المقال أنه منذ هذا التاريخ وتحديدا في الغرب بدأت جهود المنظمات العامة وقبلها الخاصة في مجال الأعمال لحقها إصدار تدابير واضحة من قبل الإعلام التقليدي لتقييم خياراتها وإعادة تنظيم صفوفها لمواجهة هذا المناخ الجديد الذي يحمل أخطارا وفرصا جديدة.مع حلول عام 2015م، كشفت دراسة أن عددا من المنظمات التي استجابت لبحث مطول حول استراتيجيات الاتصال في الإعلام الاجتماعي تقريبا من أصل 558 كانت قد أقرت استراتيجية للتعامل مع الإعلام الاجتماعي، واعتمدت لائحة تنظيمية داخلية لتنظيم تفاعل موظفيها في هذه الشبكات.في المقابل فإن المنطقة العربية التي شهدت أكبر مسرح عالمي لعرض عضلات هذه الشبكات الاجتماعية لم تتحرك كثيرا، ولم تشهد دراسات جادة في هذا المجال، ولا يزال أداؤها في مجملها خاصة مجال الأعمال والمنظمات غير الربحية في مرحلة العقد الأول من ظهور الإعلام الاجتماعي بالتركيز على آليات تسويق تقليدية وأدوات قياس التفاعل وإدارة المحتوى.الأسوأ من هذا بالتأكيد هو أداء بعض الجهات الإعلامية خاصة العامة منها والتي تبدو كأنها لم تدخل العصر الرقمي في حين أنه في كثير من دول العالم منها أوروبا مثلا يُعول على الجهات الإعلامية العامة في تطوير البحوث والأداء الاتصالي ليس فقط للوصول للجمهور والتنبؤ بمستقبلها في بيئة تجارية صرفة يتحكم فيها الإعلام الخاص، لكنها أيضا تقوم بذلك بناء على مسؤوليتها الاجتماعية.هذا التواصل الاجتماعي عبر شبكات تجارية على الإنترنت أصبح ضرورة منذ أن تحول قبيل الربيع العربي إلى مناخ غارق في الاستراتيجيات التجارية أحرجت الجهات العامة في أوروبا والتي دخلته باعتبارها جهات غير ربحية في بداية الأمر كما تشير دراسات في هذا المجال.هذه الضرورة التي قامت بتصنيعها وترويجها على مراحل شركات أمريكية تمتلك اليوم شبكات إعلامية تقليدية ورقمية، وصلت إلى تنفيذ عرضها الأول في تونس ثم مصر حينما بدأت بتحويل المواطن إلى عضو في شبكة هائلة لمناقشة قضايا بلاده لتبدأ حينها التعبئة الإلكترونية بأسلوب الهرم المقلوب (من المواطن إلى مؤسسة الرئاسة) لتبدأ شرارة الثورات العربية.هذا الأسبوع كان العالم على موعد مع عرض جديد حينما ساهمت شبكات الإعلام الاجتماعي في إيصال رسالة الرئيس التركي أردوغان إلى المواطنين لتنبيههم إلى وجود انقلاب عسكري كبير ينظمه الجيش في تركيا، بأسلوب هرمي (من الرئيس إلى المواطنين) ليسهم في تغيير الأحداث على الأرض. هذا الإثبات الجديد لقدرة بعض شبكات الإعلام الاجتماعي لتمرير رسائل عالية التأثير في اتجاهات متعددة أسهمت في تغيير شكل الدول، وبصرف النظر عن اللاعبين الأساسيين وأهدافهم في صياغة أو إيصال الرسالة، فإن ما حدث سيضاف بلا شك إلى اهتمامات بحوث التواصل حول العالم وقد يؤدي إلى تطبيقات أخرى.بقي علينا أن نتساءل، ليس فقط عن دورنا شبه المعدوم في الاستثمار في مجال الإعلام الاجتماعي على المستوى العالمي، ولا عن عدم وجودنا في خارطة البحث العلمي في مجال إدارة الاتصال والإعلام بكل تطبيقاته، لكن على أقل تقدير هل نمتلك ولو على مستوى المنظمات الوطنية استراتيجيات حقيقية تفوق مستوى تشغيل التطبيقات المتعلقة بالإعلام الاجتماعي ومحركات البحث.