د. فالح العجمي

السمعة والأثر في الناس

لا يشك أحد في أن البلدان الخليجية التي تستقطب ملايين الوافدين ممن يشتغلون في مهن مختلفة، أو من السياح الذين يتوافدون على بعض المناطق المهيأة للسياحة فيها، أو من الحجاج والمعتمرين الذين يزورون مكة أو المدينة؛ قادرة إذا أرادت على صنع سمعة جيدة لشعوب هذه المنطقة وثقافتها، أو عكس ذلك بنقلهم صورة غير جيدة عن فترات إقامتهم أو مرورهم بها. وقد تحدث الناس كثيراً عما يحمله عدد كبير من الوافدين (خاصة خدم المنازل من السائقين والطهاة والخادمات والمربيات والممرضات المنزليات) من الأفكار الإيجابية أو السلبية عن مستضيفيهم ومن يتعاملون معهم في الشارع والمؤسسات العامة والخاصة. ولا أقول إن برمجة الناس على تصنّع معاملة طيبة مع أولئك الوافدين هي المطلوبة؛ لكن شيئين أراهما ضروريين لخلق هذه الجسور المطلوبة مع الأعداد الكبيرة من الناس المنتمين إلى بلدان وثقافات متعددة: أحدهما: أن نتصور أنهم أناس مثلنا، لهم مشاعرهم واحتياجاتهم وعلاقاتهم وأسرهم، وكذلك مبادئهم وثقافاتهم، التي قد تكون مختلفة عما تعودنا عليه، وألفناه في بلداننا، وتربينا على احترامه وتقديسه، وتبعاً لذلك علينا أن نحرص على التعرف على تلك المشاعر والاحتياجات لديهم، وتفهّم ما يوجد لديهم من مبادئ، وما يحملونه من ثقافات ومعتقدات دينية، لكي نستطيع التوفيق بين ما نتعامل به معهم، وردود أفعال بعضهم، التي لن نستطيع أن ندرك مغزاها، ما لم نكن على معرفة بخلفياتهم، وفتح حوارات معهم في الأوقات التي يمكننا أن نجريها فيها. وأظن ذلك يقربهم منا، ويجعلهم يحترموننا من الداخل، ويخلصون في الأعمال التي توكل إليهم، لأنهم لن يحسوا بغربة مزدوجة عن أوطانهم من جهة، وعن التعامل السلس من جهة أخرى. أما الشيء الآخر: فإن علينا أن نتعامل معهم بصورة طبيعية؛ سواء تعلق الأمر بالحديث وتوجيه الخطاب، أو التعامل والسؤال عن الأحوال، ودون أن تكون لدينا تلك الطبقية في تصنيف فئات الوافدين، وجعلهم عرضة لأنواع من العنصرية العرقية أو اللغوية أو الدينية. فهذه الأفعال، حتى وإن بدت لنا في صورة عفوية، أو بررناها بدوافع المحبة لمن يكون من المسلمين مثلاً منهم، أو يعتنق الدين الإسلامي بعد وجوده بيننا، أو بدوافع الشفقة بإعطاء بعض المال لأولئك الناس بطريقة استعلائية، وكأنهم متسولون، فإنها تؤثر فيهم سلباً، وتجعلهم يأخذون فكرة سلبية عنا، وينقلون ذلك التعالي، أو تفضيل أي من الجنسيات على الأخرى في الحقوق أو الميزات. وربما تكون هناك أشياء بسيطة، لو اهتممنا بهم من خلالها، لكسبنا الكثير من الناحية الإنسانية أولاً، وفي مستويات متعددة أخرى؛ من الإنتاجية والسمعة الطيبة لدى الآخرين. وفيما يخص توجيه الخطاب، أو لفت النظر في الشارع أو المحلات التجارية، يثير كثير من العقلاء لدينا استخدام الأطفال أو الشباب عبارات مثل: يا محمد! أو: يا صديق! وهي تنم عن فعل تصنيفي لأصحاب تلك المهن، ممن نستطيع كسب ودهم بشيء من الاحترام، والنظر إليهم على أن لهم أسماء، ويريدون كذلك أن يتعامل معهم الآخرون بالطريقة اللائقة. مثلما يغفل كثير من الناس عن الاهتمام بهم في المناسبات. فهم ضيوف لدينا، حتى وإن كانوا وجدوا ليقوموا بأعمال يتقاضون عليها أجوراً، وتفرض علينا مبادئ الضيافة واحترام الغريب أن يكون لهم مكان في ترتيباتنا العامة في المناسبات، وإشعارهم بأنهم ليسوا من سقط المتاع. وكلنا نغضب إذا لم يحترمنا الآخرون في بلدانهم، أو تعاملوا معنا بعنصرية؛ فلنكن أيضاً مراقبين لتصرفاتنا مع من يجدر بنا استضافتهم على الوجه الصحيح وبالطرق المناسبة كذلك!