فهد الخالدي

إستراتيجيات التحول السعودية.. الأفعال أولًا

ألمس وأعتقد جازمًا أن كثيرين يشاركونني الثقة هذه المرة أن استراتيجية التحول السعودية، التي أعلنت عنها المملكة مؤخراً هي من أكثر المشاريع في العالم الثالث جدية إن لم تكن أكثرها على الإطلاق، حيث اعتاد المواطنون بصراحة أن يكون الإعلان عن هذه الاستراتيجيات في هذا العالم أقوالا لا تتبعها الأفعال، إما لأنها خيالية أو أن مطلقيها لا يملكون أسباب تحقيقها حتى إن أرادوا أو أنها أصلاً غير جادة ويرغب مَنْ أطلقها في تحقيق شعبية وقبول لدى المواطنين من خلال دغدغة أحاسيسهم ومشاعرهم.. لا أقول ذلك انحيازاً لبلادي ولا مجاملة لولاة الأمر، بل لديّ من الأسباب المنطقية والواقعية ومن الشواهد ما يؤكد صدق ما أذهب إليه، فالمملكة -والحمد لله- تمتلك من الإمكانات المادية والبشرية لتحقيق هذه الاستراتيجية، ولديها قيادة مخلصة تعني ما تقول وهي محل ثقة ومحبة مواطنيها، الذين لا يحتاجون دليلاً آخر على إخلاصها ومحبتها وسعيها لمصالحهم، وقد اعتادوا أن يكونوا أكثر من جادين فيما يقولون، ولم يحدث من قبل أن اجتمع مجموعة من الوزراء مرة واحدة في الخروج إلى مواجهة مواطنيهم وتقديم تصوراتهم وخطط عملهم التنفيذية لرؤية استراتيجية أعلن عنها، وقيامهم بتقديم كل التفاصيل، التي توضح الإجراءات والبرامج والمشاريع التي سيتم تفعيلها ميدانيا لترجمة هذه الاستراتيجية وتكون أفعالهم تسبق أقوالهم، لا سيما أن ما قدموه على العلن يمكن أن يتحول وبسهولة وفي المدى الزمني، الذي حددوه معايير لمساءلتهم ومحاسبتهم على ما قدموه وما وعدوا به، بل إن بعض الوزراء ذهبوا إلى أبعد من ذلك، كما فعل وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية المهندس خالد الفالح في حديثه في أوائل هذا الشهر أمام الاجتماع الوزاري لوزراء الطاقة بدول مجموعة العشرين، الذي انعقد في بكين في أواخر رمضان الماضي حينما أعلن عن خطة المملكة لتحقيق أهداف المجتمع الدولي في الاقتصاد والطاقة والبيئة، وهي أهداف تأتي منسجمة تمامًا مع رؤية المملكة وبرامجها الاستراتيجية وخطة التحول الوطني، وتقوم على خمسة محاور تجمع بين الاستثمار والتقنية وكفاءة الطاقة والغاز الطبيعي والطاقة المتجددة، وتهتم بتسهيل الاستثمار في مجالات الطاقة دون الاقتصار على مجال دون آخر من أجل الحصول على إمدادات كافية من الطاقة بما في ذلك التقنيات، التي تجعل مصادر الطاقة صديقة للبيئة، وأن يكون الابتكار والتقنية هما ركيزة استراتيجية للحد من الآثار السلبية على البيئة بسبب استخدام بعض أنواع الطاقة أو إنتاجها والتركيز على كفاءة استخدام الطاقة باعتبارها أقرب الحلول لتحقيق الأهداف المطلوبة. وتتضح هنا أهمية زيادة الأبحاث التي تكفل الاستفادة من الغاز الطبيعي النظيف ما يخفض انبعاثات الكربون، خاصةً أن الغازات المنبعثة من هذا الغاز تعادل نصف ما ينبعث من ثاني أكسيد الكربون، إضافةً إلى الأبحاث التي تساهم في زيادة مصادر الطاقة المتجددة بالقدر الذي يمكن أن تتحمله الدول تقنيًا واقتصاديًا. وقد كان الفالح واقعيًا عندما أكد على المجتمعين أن تحقيق مثل هذا في المملكة وغيرها من الدول، فإن على المجتمع الدولي أن يضع استراتيجية عالمية تقوم على المساهمة التطوعية والمشاركة لتحقيق الأهداف المتعلقة بالنمو الاقتصادي والاستدامة البيئية، لا سيما أن التعاون هو الركيزة الأساسية، التي تعتمد عليها مجموعة العشرين. وقد جاء ما قدمه الفالح في المؤتمر منطلقًا من موقف ثابت يقوم على أن المملكة قد بدأت تطبيق هذه الاستراتيجيات قبل أن نتحدث عنها في المؤتمر، وقد بدأت فعلاً ببرنامج طموح يتعلق بكفاءة استهلاك الطاقة في وسائل النقل والمباني السكنية والتجارية، وفي المجال الصناعي من أجل خفض كثافة الاستهلاك، كما أن خطة التحول ورؤية المملكة تتضمن ضخ المزيد من الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة وتحديداً في مجال الطاقة الشمسية. بصراحة.. هكذا يكون الطرح وهكذا تكون المصداقية.. تبدأ بالفعل أولاً ثم تتكلم.. وتكون مستعداً دائمًا لتسأل عما تقول وما تحقق منه وما لم يتحقق؟.