د. فالح العجمي

خليجنا واحد ونظراتنا شتى

تتكرر دعوات التقارب والاندماج والتوحد بين بلدان الخليج العربية منذ استبشار الناس بإنشاء مجلس التعاون في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ويركز الداعون على عمق الروابط ليس بين المكونات السياسية والتداخل الجغرافي الشديد والتقارب في الثقافة فحسب، بل في كون الشعوب التي تقطن هذه البلدان متجانسة إلى حد بعيد ومتصلة بالنسب والمعيشة، وارتباط مجموعات كبيرة في كل بلد منها في مصالحه وزياراته ببلد خليجي آخر. ورغم مرور خمسة وثلاثين عاماً على إنشاء هذا المجلس، الذي يفترض أن الهدف منه وحدوي؛ يحقق الاتحاد بين أعضائه على مراحل بعد تحقيق الانسجام بين الأنظمة المالية والسياسية والأمنية وغيرها، وصولاً إلى كونفدرالية أو أي صيغة من صيغ التوحد، التي تخدم المنظومة وشعوبها، وتجعلهم أكثر قوة وأمناً ورخاء؛ فإن شيئاً من تلك الآمال الكبيرة لم يتحقق. اجتماعات دورية ومؤتمرات لا تنتهي، ومجالس ولجان تنسيق يغلب عليها الطابع الإعلامي والترويجي، بأن تلك الهيئات تعمل، وتنتج بيانات مثلها في ذلك مثل جامعة الدول العربية، التي هي في وضع موت سريري منذ أكثر من عقدين من الزمان. الشيء الوحيد الذي تحقق على مستوى ما يلمسه المواطنون هو تسهيل المرور بين بلدان المجلس بالبطاقة الشخصية، حيث لا يلزم حمل جواز السفر؛ لكنه إجراء قليل الجدوى، إذ لا فرق يذكر بين الهويتين. بل إنه حتى مراكز العبور لم توحد في إجراء واحد على حدود كل منها، بحيث يدقق في الهويات والمركبات– مثلاً– البلد الذي سيدخل إليه المواطن الخليجي، ويكون مرتبطاً بأنظمة البلد الآخر، باستثناء بعض مراكز عمان الحدودية مع الإمارات. وهناك شيء طال الحديث عنه لسنوات، والتباحث والإعلان والتباهي بتحقيقه، وهو الاتحاد الجمركي؛ لكنه في الواقع لم يُطبق إلى الآن، رغم مرور خمس سنوات تقريباً على إعلانه. فالمواطن الذي سيشتري بضاعة في أحد بلدان المجلس وينتقل بها إلى بلد آخر سيعاني الكثير، كما لو أنه استوردها من منطقة أخرى غير بلدان المجلس، التي يفترض أن يدخل حيز التنفيذ فيها ما يُتفق عليه على أقل تقدير. ثم إن هناك حالات التفتيش الدقيق الذي يخضع له المواطن العادي بسيارته الخاصة من بلد خليجي إلى آخر، مما يجعل الطوابير تصل إلى مداخل المعابر في حالات الذروة، مما يجعل الناس يستغربون، ويرددون: ما الذي تخشاه السلطات في تنقل الناس بسياراتهم الخاصة من بلد في المنظومة إلى جاره، الذي يفترض أن التنسيق بينها يكون استخباراتياً لمحاصرة مهربي المخدرات، أو أي نوع آخر تخشى من مروره السلطات. أما الذي تتمناه الشعوب منذ أمد طويل، فهو الوحدة النقدية والربط بشبكة قطارات سريعة بين بلدان المجلس. فمن غير المعقول أن أحمل معي في رحلة برية واحدة من قطر إلى عمان أربع عملات أحتاجها في الطريق (قطرية وسعودية وإماراتية وعمانية)، ونبقى نردد «خليجنا واحد»؛ بينما في أوروبا تستطيع أن تجتاز سبعة عشر بلداً وأنت لا تحتاج سوى عملة واحدة، ولا يوقفك أحد لتفتيش أو تدقيق في الهويات، وهي بلدان مختلفة اللغات والأعراق والثقافة. وبشأن الربط بين بلدان المجلس بشبكة القطارات، تردد الكثير من ذلك إعلامياً، لكن لا أحد يرى تنفيذا لذلك على الأرض، وكأن المقولات هي التي تحقق التقارب والتكامل الاقتصادي. علاوة على أن الطريق الذي يربط السعودية بعمان مباشرة، كان قد أعلن وزير النقل، قبل سنتين، بأنه سيفتتح بعد ستة أشهر من ذلك التاريخ. فهل العالم الحديث يقبل هذا البطء وعدم الدقة في التخطيط؟