مشاري العفالق

الاتحاد الأوروبي ومصير التعاون الخليجي

دون أدنى شك فإن خروج بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي حدث كبير على الصعيد الإستراتيجي الدولي ربما هو الأبرز منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، وعلى غرار ما أفرزه انهيار المعسكر الشرقي وبروز شكل جديد للعالم فإن موازين القوى والتحالفات العالمية ربما تكون على وشك التغيير، لكن السؤال الآن: هل يعنينا هذا الموضوع في مجلس التعاون؟الحدث الساخن اليوم على صعيد الإعلام العالمي وأروقة السياسة والاقتصاد له أبعاد كثيرة، منها ما يتعلق بتأثير هذا القرار على النمو العالمي، وما قد يتبعه من تأثير على أسعار النفط والأسواق العالمية وغير ذلك، ومنه ما يتعلق بمصير وسلوك كل من بريطانيا وبقية دول التحالف الأوروبي في المستقبل.أما في أوروبا فقد بدأ اليمينيون يطالبون بإجراء استفتاءات مشابهة للخروج من الاتحاد وفي مناطق أخرى من العالم بدأ الحديث عن مستقبل فكرة الاتحادات بعد أن عانى الاتحاد الأوروبي الذي يعد النموذج الأكثر نجاحاً على مستوى العالم لأكثر من 40 عاماً من التجاذبات لينتهي بسابقة هي الأولى من نوعها في خروج عضو من تكتل اتحادي عالمي بتصويت شعبي.التجربة البريطانية في أوروبا تستحق الدراسة وأخذ العبر، فبالرغم من نجاحات الاتحاد الأوروبي على المستويين الإداري والاقتصادي، فإن الشعوب الأوروبية لا تزال غير مرتاحة أو مؤمنة بالرابط الاتحادي، ليصوت أول شعب يُتاح له أن يبدي رأيه بالخروج وإن كان بفارق الـ4% من مجموع الأصوات.الاتحاد الأوروبي الذي انكفأ خلال 40 عاماً على روابط ترسيخ العمل المشترك على أساس الاقتصاد فقط بعد أن فُرّغ من الشراكة الأمنية التي تكفل بها حلف الأطلسي (الناتو) والتحالفات الأخرى إضافة لوجود دولتين من أعضائه في مجلس الأمن الدولي، أما السياسة الخارجية فبدا البون شاسعاً بين أعضائه لدرجة أصبحت المواقف البريطانية أو الفرنسية وحدها ربما أكثر قوة من مواقف المفوضية الأوروبية.بالرغم من كل هذا فإن العقبة الأكبر التي لم يستطع الاتحاد الأوروبي أن يتعامل معها طوال العقود الماضية هي تسويق الهوية الإقليمية الموحدة مقابل الشعوبيات أو القوميات العميقة التي وصلت أيدلوجياتها إلى الحكم أحياناً وإلى الشارع كثيراً خاصة للمواطنين البعيدين عن تفهم خطر الانغلاق الاقتصادي.الهوية هي تعبير عن حواجز ثقافية واجتماعية بدءا من حاجز اللغات المتعددة الذي وقف حجر عثرة أمام (أَوْرَبة) الإعلام والثقافة في دول الاتحاد، مروراً بفشل نظام الكوتات الأوروبية للمضامين الثقافية والفنون والتي تحولت إلى مجرد مضامين (محلية) وصولاً إلى ضعف الفعاليات الإقليمية مقابل فاعلية النداءات القومية والتاريخ القومي في دول أوروبا.هذا الواقع بالتأكيد حجّم من قدرات الاتحاد الأوروبي رغم توفر إمكانات مالية وإدارية لم تتوفر لأي اتحاد يضم عدة دول في العصر الحديث، لكن السؤال هل انحسار الاتحاد الأوروبي أو حتى انهياره يعني بالضرورة انهيار فكرة الاتحاد التي يبحث عنها كثير من دول العالم ومنها مثلاً مجلس التعاون الخليجي؟الحقيقة إن الاستعراض السابق للاتحاد الأوروبي لا يعني أن فرص تحول مجلس التعاون إلى الاتحاد الخليجي قائمة فقط بل ويعزز فرصها بصورة أكبر مما سبق في ضوء قراءة تاريخ وواقع الاتحاد الأوروبي، وتماسكه في رحلة دخلت العقد الخامس بالرغم من المعوقات التي أصبحت جزءا من مكوناته.دول الخليج تتمتع بلغة واحدة، وقومية واحدة، وتواجه أخطارا أمنية واحدة لم تمثل التحالفات الأخرى بديلاً عنها، أما سياساتها الخارجية فقد بدأت في التجانس إلى درجة كبيرة خلال العقد الحالي، في حين أن تنسيق قراراتها في مجال إدارة ملف النفط على الصعيد الدولي قد يكون أبرز ملمح اقتصادي لدول المجلس. أخيراً إذا كان الاتحاد الأوروبي -بالرغم من خروج أهم دولة من الناحية الإستراتيجية- مصراً على استمرارية التجربة وتنظيم صفوفه بصورة تحقق لدوله الرفاه الاقتصادي، وإذا كان مستقبل بريطانيا القريب مخيفاً على أفضل وصف، فإن على دول مجلس التعاون أن تستفيد من هذه التجربة لتتحرك بصورة أكبر نحو الاتحاد وتحقيق استفادة أكبر من أية تغيرات عالمية جديدة.