د.ابراهيم العثيمين

العلاقات الخليجية - الروسية وجولات الحوار الإستراتيجي

في قصر الإمارات بمدينة أبوظبي، عُقد الاجتماع الوزاري المشترك الأول للحوار الإستراتيجي بين دول المجلس وروسيا في 1 نوفمبر 2011. تم في هذا الاجتماع التوقيع على مذكرة تفاهم تنظم آليات الحوار الإستراتيجي بين الطرفين، والتي من شأنها تعزيز العلاقات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية وغيرها. كما تم في هذا الاجتماع تكليف كبار المسؤولين من الجانبين بوضع خطة عمل مشتركة للفترة «2013-2015» وذلك في إطار الحوار الإستراتيجي لتنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة، وكذلك وضع آليات وجدول زمني محدد لتطبيق هذه الخطة. في هذا الاجتماع كان هناك تطابق في وجهات النظر بين الطرفين في كثير من القضايا بما فيها الملف السوري، فقد كان الموقف الروسي من الأزمة السورية شبه متوافق مع الموقف الخليجي وهو ما عبر عنه لافروف ردا على سؤال في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد الاجتماع حول الموقف الروسي من القضية السورية «ان روسيا لا تحمي أي نظام وتدعم القانون الدولي». كما ان لافروف في هذا الاجتماع اثنى على المبادرة الخليجية في اليمن وقال «إننا نفضل ما طرح من مبادرة خليجية في الشأن اليمني وبالتالي فإننا نعتبر القرار أو التوجه الذي يطبق في اليمن هو النموذج الذي يحتذى به -في حل قضايا المنطقة-، بدلا من النموذج الذي طبق في ليبيا». عقد الاجتماع الوزاري المشترك الثاني بمقر الأمانة العامة بالرياض في نوفمبر 2012، متزامنا مع تغير الموقف الروسي حيال الأزمة السورية. فقد كان من المقرر أن يكون الاجتماع في روسيا كما كان متفقا عليه في الاجتماع الأول الا ان ذلك لم يتم. الأمر الثاني أن الاجتماع كان من المقرر ان ينعقد في مارس إلا انه تأجل على خلفية استخدام روسيا لحق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن في 5 فبراير ضد قرار دولي يدعم خطة الجامعة العربية لتسوية الأزمة في سوريا مما اغضب دول الخليج وتم على إثره تأجيل الاجتماع. بعد ذلك التقى الدكتورعبداللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون مع السيد /‏‏ ميخائل بوغدانوف نائب وزير خارجية روسيا والممثل الخاص للرئيس لشؤون الشرق الاوسط، في الرياض في مايو، على هامش الاجتماع الوزاري الثالث لأصدقاء اليمن، في محاولة من روسيا لتخفيف أجواء التوتر مع دول الخليج واستئناف الحوار، وخاصة بعد التصريحات التي أدلى بها لافروف منتقدا دول المجلس بعد قيامها بسحب سفرائها من سوريا بينما حاول اجتماع نيويورك الذي عقد بين الطرفين في سبتمبر على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حاول ان يقرب وجهات النظر بين الطرفين فيما يخص الأزمة السورية إلا أن روسيا ظلت متمسكة بموقفها من رحيل الاسد. وبالتالي جاء اجتماع نوفمبر «الثاني» في الرياض مشبعا بالخلافات العميقة في وجهات النظر بين الطرفين حول الملف السوري. حاول لافروف مع فريقه المطّعم بخبرات السيد ميخائيل بوغدانوف جعل الاجتماع حوارا شاملاً يتناول مختلف المجالات كما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الأول، إلا أن وزراء خارجية دول المجلس، جعلوا الاجتماع يقتصر على مناقشة الملف السوري فقط في رسالة واضحة منهم إلى موسكو «أن حواراً إستراتيجياً سيكون من الصعب وغير المفيد انعقاده وإعطاؤه أهمية مع وجود خلافٍ كبير في الأولويات بشأن سوريا». وهو ما أكده تصريح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عشية الاجتماع بأن الوزراء الخليجيين سيعقدون اجتماعاً مع نظيرهم الروسي سيرغي لافروف بشأن سورية ولم يتحدث عن الحوار الإستراتيجي. وبالتالي انفض الاجتماع بدون بيان ختامي كما جرت العادة على إصداره الأمر الذي يعني أن جدول الأعمال كان خالياً إلا من الأزمة السورية.في قصر «البيان»، مقر الإقامة الرسمي لأمير الكويت، عقد الاجتماع الوزاري المشترك الثالث يوم 19 فبراير 2014. وقد كان أخف توترا من الاجتماع السابق، صحيح ان الملف السوري ظل حاضرا في المباحثات، وكانت وجهة نظر الجانبين مختلفة، إلا ان الاجتماع لم يقتصر على الملف السوري وشمل القضايا السياسية الراهنة بما فيها ملفات المنطقة، والتعاون الثنائي في المجال الاقتصادي وتم الاتفاق على مواصلة المشاورات والمحاورات وصولا إلى تفاهم مشترك في قضايا المنطقة. وصدر بعد الاجتماع بيان ختامي مشترك.جاء الاجتماع الوزاري المشترك الرابع، والذي عقد لأول مرة في موسكو يوم 27 مايو 2016م، ليعطي الحوار الإستراتيجي زخما ودفعةً جديدة بعد شبه تعثره، بعد عام 2012 بعد تغير الموقف الروسي حيال الأزمة السورية. فرغم التباين الروسي - الخليجي حول الملف السوري والذي يتمثل في دور الاسد خلال المرحلة الانتقالية وتشكيل وفد المعارضة، إلا أن الاجتماع أظهر تطابقا في وجهات النظر بين الطرفين حيال ضرورة وضع نهاية سريعة للأزمة السورية على أساس بيان جنيف، وهو ما تؤكد عليه دول الخليج دائما في بياناتها. كذلك فيما يختص بالملف الإيراني اظهر الجانب الروسي تطابقا مع الموقف الخليجي في أن تكون العلاقات بين دول الخليج وإيران قائمة على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وفيما يتعلق بالبرنامج النووي الايراني وحول طبيعته السلمية، حيث اتفق الطرفان على ضرورة التنفيذ الكامل لخطة العمل المشتركة والامتثال الكامل لأحكام قرار مجلس الأمن 2231 (2015) والدور الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية في التحقق من امتثال إيران لالتزاماتها من خلال تنفيذ آلية فعالة للتفتيش والرقابة. وهكذا هناك توافق في كثير من القضايا الدولية والإقليمية سواء اليمن أو ليبيا أو العراق، كما ان هناك رؤى مشتركة حول مكافحة الإرهاب، إلى جانب اتجاهات من الطرفين لتطوير التبادل التجاري والاقتصادي والاستثماري والعلاقات الإنسانية.وبالتالي اعتقد أن ما أنجز في الاجتماع الخليجي - الروسي الأخير، يدل على أن هناك مساحة كبيرة من الاتفاق تستوجب العمل عليها وتعميقها والبناء عليها وذلك من خلال استكمال إعداد خطة العمل المشتركة للحوار الإستراتيجي بينهما التي تم الاتفاق عليها. كما أن هناك ضرورة لمزيد من الحوار لتقريب وجهات النظر في كثير من نقاط الخلاف.