د. محمد حامد الغامدي

طاح الحمل والجمل ما طاح

أنقل إليكم خبر تقاعدي. لم يصل وكالات الأنباء العالمية. لم تعرف عنه وسائل الإعلام. شخصي لم يكن مؤثرا في الأحداث بجميع أشكالها. هل كان تقاعدي مؤثرا؟! لم يكن مؤثرا على جميع ساحات الأحداث. لكن مع صنوف المشاهد هناك من يهتم ويتأثر. بالتأكيد طلابي في الكلية أكثر النّاس تأثرا. وحدهم من اهتم. اتصل بعض الطلاب للتأكد من صحة الخبر. أبدوا مشاعر أفتخر بها. مازلت أتلقى اتصالاتهم. جميل أن يترك الإنسان أثرا طيبا في نفس الآخر. الأثر الطيب منبع السؤال. منبع الشعور الطيب والوفاء والدعاء. الأثر الطيب يستمر مع الإنسان بعد غيابه. علاقتي بطلابي هي الأكثر نجاحا في حياتي. الأكثر جمالا في ملكوت نفسي. قيمة الإنسان بما يقدمه للآخرين. أجمل اللحظات أن تشاهد من يقترب منك ليقول: كنت طالبا عندك. هذا عادي ويحدث حتى مع غيري. لكن الأمر غير العادي أن يسرد بعض ما تركته في نفسه. في كل لقاء مع طالب أجد أن ما يربطه بي كأستاذ هو شيء خارج المقرر الدراسي. شيء أضفته في حياته. شيء تحول إلى وهج يقوده نحو النّجاح. فلسفة أضفتها لرصيده في الحياة. بعد «37» عاما من حمل المسئولية. أستطيع أن أضع عنوانا لهذه العقود. عنوانا يختصر كل شيء ويصف كل شيء. عنوانا يعبّر عن كل شيء في حياتي كاملة. العنوان: «التّحدي». كان التّحدي ترياق حياتي في جميع المراحل. كان تحدّي المسئولية والمثابرة. تحدّي الاجتهاد والطموح. تحدّي البحث عن الأفضل للوطن. طاح الحمل بعد التقاعد عن كاهلي. لكن هناك أحمالا لا تطيح بتقادم العمر. أحمال تتجدد. مدى الحياة نجحت في تركيز قوتي الشابة والطموحة وبدرجة التّحدي التي أعرف. التّحدي لا يرتبط بعمر، وليس له عمر. التّحدي شعور يدفعك لخوض معارك الحياة. بهدف الانتصار. بهدف تحقيق الأهداف. بهدف استئصال مكامن المشاكل والإحباط والعقبات التي تواجه. العقبات أشبة بالصفائح. تجتاز الأولى لتجد الثانية. هكذا هي الحياة. النّجاح في الحياة أشبه بقفز الحواجز. عليك أن تنجح في الاجتياز إذا أردت البطولة أمام نفسك أولا. بعد التقاعد وجدت نفسي في مجالات تحتاج لاستمرار التّحدي. هكذا شعرت بأن التّحدي وظيفتي السرمدية. سأحملها معي إلى قبري. تنتهي بنهاية حياتي. ماذا حقق التّحدي في حياتي من نجاح؟! هل خسرت من وظيفة التّحدي التي أعيش؟! لم أخسر شيئا. لم أندم على شيء. كسبت الكثير. كسبت نفسي وهو الأهم. لكن هناك من جعل الوطن يخسر بوقوفه المعترض في الطريق كعقبة. أضعت وقتا وجهدا لإزاحته، وكان يمكن أن يكون من نصيب الوطن ولصالحه. حقق التّحدي انجازات محل فخري واعتزازي. أرجو أن اسردها في مقالات قادمة. أقدمها كنموذج للأجيال الشابة. علّها تعيد بعض الحسابات السلبية التي يزرعها البعض. بقدر قوّة وشدّة وحزم وعنفوان التّحدي الذي تملكه، بقدر ما تتعاظم عوامل العقبات المقابلة. تسعى للنيل منك بهدف وقف زحف قدراتك وإمكاناتك. أعتز أن الفشل كان أحد أهم عوامل نجاحي. لم استسلم وتلك قوة الفرد وأيضا الأمم. الاستسلام هزيمة حتى للفرد. الهزيمة أن تستسلم. النّجاح لفظ يطلق بعد أن تحصد الثمرة. في حياتي الدراسية واجهت الكثير من العقبات. تغلبت عليها. كانت أربع مراحل. من الابتدائية إلى نهاية الجامعة. الخامسة مرحلة الماجستير. السادسة كانت مرحلة الدكتوراة. اجتياز كل مرحلة يحملك إلى التالية. مراحل الدراسة أشبه بمراحل بناء البيت. في النّهاية كيف يبدو هذا البيت؟! قد يكون صفيحا أو قصرا فخما غنيا بكل مقومات العظمة. هكذا وجدت نفسي قصرا فخما بكل مقومات العظمة. سأروي لكم لاحقا الحكاية بهدف العبرة وتوثيق البناء. في العمل عايشت ثلاثة مدراء للجامعة والعديد من الوكلاء والزملاء. منهم من جعلني مكسبا للوطن. منهم من جعلني خسارة على الوطن. لي معهم قصص وحكايات. مواقف وانجازات. لهم في حياتي صحائف سوداء وأخرى بيضاء. سأتناول في المقالات القادمة سيرة حياتي معهم. بعض مشاهدها جروح. بعض مشاهدها علو همّة. سأتناول تقلبات الأيام والمهام والفلسفة الإدارية. سيكون محور الحديث الطلاب والتعليم والإدارة. وتلكم محاور قصتي في الجامعة. التقاعد نقطة تحول في الحياة. التقاعد إعلان بأن رسالتك اكتملت. التقاعد يعني اسدال الستار على مسرحية كنت بطلها. عندما تكون البطولة رسالة إنسانية فهذا يعني أن عطاءها لا يتوقف. هذه حكايتي وقصة العنوان ومدلوله. ويستمر الحديث بعنوان آخر.